يُعَدُّ الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم من الصلاة موطناً عظيماً من مواطن إجابة الدعاء، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على استغلال هذه اللحظات المباركة للتوجّه إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، فالصلاة هي صلة العبد بربه، وهذه اللحظات الخِتامية تمثل فرصة ثمينة لمناجاة الله وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، اقتداءً بسنة النبي الكريم الذي علّم أمته أدعية جامعة وثابتة تُقال في هذا الموضع.
أدعية ثابتة من السنة النبوية قبل السلام
وردت في السنة النبوية الصحيحة عدة أدعية جامعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها أو يُعلّمها لأصحابه للدعاء بها بعد التشهد الأخير، ومن أصح هذه الأدعية وأشهرها:
1، الاستعاذة من أربع
وهو من أشهر الأدعية وأهمها، حيث أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمراً صريحاً.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ“.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 588، [حديث صحيح].

شرح موجز: يتضمن هذا الدعاء الجامع الاستعاذة من أعظم الشرور: فتنة المحيا والممات تشمل كل ما يتعرض له الإنسان من فتن في حياته وعند موته، وفتنة القبر هي سؤال الملكين، وعذاب جهنم، وفتنة المسيح الدجال التي هي أعظم فتنة تواجه البشرية.
2، دعاء الاستعاذة من الجبن والبخل وأرذل العمر
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلّم هذا الدعاء لأصحابه كما يُعلّمهم السورة من القرآن.
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر الصلوات بهؤلاء الكلمات:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ“.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2822، [حديث صحيح].
شرح موجز: يستعيذ المسلم في هذا الدعاء من صفات مذمومة كالجبن، ومن “أرذل العمر” وهو الهرم والخرف الذي يفقد فيه الإنسان قوته العقلية والجسدية.
3، دعاء طلب المغفرة الشاملة
علّم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء لأبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما سأله عن دعاء يدعو به في صلاته.
- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال:
“قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ“.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 834، [حديث صحيح].
4، دعاء جامع لغفران الذنوب
من الأدعية الجامعة التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها إقرار بالتقصير وطلب شامل للمغفرة.
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6398، [حديث صحيح].
أدعية أخرى مأثورة
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيرَي الدنيا والآخرة، ومن الأدعية المأثورة النافعة:
- اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. (حديث صحيح، رواه أبو داود).
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. (حديث صحيح، رواه أبو داود).

الحكم الشرعي للدعاء قبل السلام من الصلاة
أجمع أهل العلم على أن الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم سنة مستحبة، وهو من المواطن التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، ويستحب للمصلي أن يبدأ بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لبركتها وشموليتها، ثم له أن يدعو بما يشاء من أمور دينه ودنياه، ما لم يكن دعاءً بإثم أو قطيعة رحم.
- الدعاء في هذا الموضع هو ختام لأعظم أركان الإسلام العملية، فيكون مسك الختام مناجاة لله تعالى وطلباً لفضله.
- الأصل هو الالتزام بالأدعية الواردة في السنة الصحيحة، فهي الأسلم والأجمع للخير.
- يجوز للمصلي أن يدعو بحاجاته الخاصة، كطلب الرزق، أو الشفاء، أو صلاح الأبناء، لأن الدعاء هو لب العبادة.

أهمية وفضل الدعاء في التشهد الأخير
تكمن أهمية هذا الموطن في كونه من الأوقات التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، مما يجعله وقتاً مباركاً تُفتح فيه أبواب السماء، فضل الدعاء في هذا الوقت يتجلى في:
- الاقتداء بالنبي ﷺ: كان النبي يحرص على الدعاء في هذا الموضع ويُعلّمه لأصحابه، وفي اتباعه كل الخير.
- الاستعاذة من الشرور العظيمة: الأدعية النبوية المخصصة لهذا الوقت تركز على الحماية من فتن الدنيا والآخرة، كفتنة القبر والمسيح الدجال، مما يعكس أهميتها القصوى.
- موطن قرب من الله: يكون المصلي في ختام صلاته في حالة خشوع وتوجه كامل إلى الله، مما يجعله أقرب إلى الإجابة.
- تحصين للمسلم: المداومة على هذه الأدعية تُحصّن المسلم من الفتن والشهوات، وتُذكّره بالآخرة، وتُعينه على الاستقامة والثبات حتى الممات.
إن الحرص على الدعاء قبل السلام هو استثمار للحظات ثمينة في أعظم عبادة، وهو دليل على يقين العبد بحاجته الدائمة لربه وتوكله عليه في كل شؤونه.
المصادر والمراجع
- صحيح مسلم، حديث رقم 588، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 2822، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 834، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6398، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1522، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء يقال قبل السلام؟
أفضل دعاء وأوكده هو ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الاستعاذة بالله من أربع: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ”.
هل يجوز الدعاء بأمور الدنيا في التشهد الأخير؟
نعم، يجوز للمصلي أن يدعو بما يشاء من خير الدنيا والآخرة، كطلب الرزق الحلال، أو الزوجة الصالحة، أو النجاح في الدراسة، ما لم يكن الدعاء فيه إثم أو قطيعة رحم، والأفضل الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بحاجاته الخاصة.
هل يجب الالتزام بصيغ الأدعية الواردة فقط؟
الالتزام بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة، ولكن لا يجب ذلك على سبيل الإلزام، فيمكن للمصلي أن يدعو بما يفتح الله عليه من الدعاء الطيب الذي يناسب حاله وحاجته.