يُمثل التشهد ركنًا أساسيًا من أركان الصلاة، وهو ذكر عظيم يُردده المسلم في كل صلاة مفروضة أو نافلة، يشعر من خلاله العبد بقربه من الله تعالى، مما يبعث في نفسه السكينة والطمأنينة ويُضفي على قلبه شعورًا بالراحة والرضا.
الصيغة الصحيحة للتشهد في الصلاة
أصح ما ورد في صيغة التشهد هو ما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن:
“التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، والصَّلَوَاتُ والطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ”.
المصدر: حديث صحيح (متفق عليه)، رواه البخاري ومسلم.
- التشهد الأول: في الصلاة الثلاثية (كالمغرب) أو الرباعية (كالظهر والعصر والعشاء)، يُقرأ هذا الذكر في الجلسة الوسطى وينتهي عند قول: “…وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ”.
- التشهد الأخير: في الجلسة الأخيرة من كل صلاة، يُقرأ التشهد كاملًا ثم تُضاف إليه الصلاة الإبراهيمية.
الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد الأخير
بعد الانتهاء من قراءة التشهد في الجلسة الأخيرة، يُسن للمصلي أن يُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية، وهي:
“اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.
المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري.
الدعاء المأثور بعد التشهد الأخير وقبل التسليم
من السنة النبوية المؤكدة أن يدعو المسلم بعد التشهد الأخير وقبل أن يُسلم من الصلاة، ومن أعظم الأدعية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:
“اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ”.
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم.
بعد هذا الدعاء، يمكن للمصلي أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فهذا من مواطن إجابة الدعاء.
تنبيه هام: أدعية الاستفتاح وليست من التشهد
ينتشر خطأً ربط بعض الأدعية بالتشهد، بينما هي في الحقيقة من أدعية الاستفتاح التي تُقال في بداية الصلاة بعد تكبيرة الإحرام، من هذه الأدعية:
- الدعاء الأول: “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ”، (حديث حسن، رواه أهل السنن).
- الدعاء الثاني: “اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ”، (حديث صحيح، متفق عليه).
إيضاح: هذه الصيغ المباركة مكانها هو بداية الصلاة، ولا تُقرأ ضمن التشهد الأول أو الأخير.
حكم التشهد ومكانه في الصلاة
للتشهد مكانة عظيمة في الصلاة، وحكمه الشرعي يختلف بين التشهد الأول والأخير:
- التشهد الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أنه واجب من واجبات الصلاة، من تركه عمدًا بطلت صلاته، ومن تركه سهوًا وجب عليه سجود السهو.
- التشهد الأخير: يُعد ركنًا من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به عند جمهور الفقهاء.
والدعاء مشروع في مواطن عديدة من الصلاة، وأقربها للإجابة هو الدعاء في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”
(رواه مسلم).
الأوقات المستحبة للدعاء في الصلاة
السنة النبوية المطهرة بينت لنا مواطن يُستحب فيها الدعاء وتُرجى فيها الإجابة، ومنها:
- بعد تكبيرة الإحرام: وهو موضع دعاء الاستفتاح.
- في السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه.
- بين السجدتين: ومن الدعاء المأثور فيه: “ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي”.
- بعد التشهد الأخير وقبل السلام: وهو موطن ختام الصلاة ومناجاة الله تعالى.
ويُستحب الإكثار من الدعاء في هذه المواضع سواء كانت الصلاة فرضًا أو نافلة، فالدعاء هو العبادة.
فضل الصلاة وأثرها في حياة المسلم
للصلاة مكانة عظيمة في الإسلام، فهي عمود الدين والصلة المباشرة بين العبد وربه، والمحافظة عليها تجلب للمسلم الخير والبركة في حياته.
- صلة دائمة بالخالق: تحافظ الصلاة على ارتباط العبد الدائم بالله، مما يمنحه السكينة والطمأنينة.
- حصن من المعاصي: تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وتهذب النفس وتقودها إلى طريق الاستقامة، كما قال تعالى:
“إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”
[العنكبوت: 45].
- انضباط وبركة في الوقت: تُعلم الصلاة المسلم الانضباط في حياته، وتجعل يومه مباركًا ومنظمًا.
- باب للدعاء المستجاب: تتيح الصلاة للمسلم فرصة للدعاء والتضرع إلى الله في مواطن الإجابة، والله سبحانه قد وعد عباده بإجابة دعائهم.
المصادر والمراجع
- حديث التشهد لابن مسعود: صحيح البخاري (حديث رقم 831)، وصحيح مسلم (حديث رقم 402)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الصلاة الإبراهيمية: صحيح البخاري (حديث رقم 3370)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الاستعاذة من أربع: صحيح مسلم (حديث رقم 588)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث قرب العبد من ربه في السجود: صحيح مسلم (حديث رقم 482)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة العنكبوت، الآية 45.
أسئلة شائعة
س1: ما الفرق بين التشهد الأول والأخير؟
التشهد الأول يُقال في الجلسة الوسطى للصلوات الثلاثية والرباعية، وينتهي عند الشهادتين، أما التشهد الأخير فيُقال في الجلسة الأخيرة من كل صلاة، ويُضاف إليه الصلاة الإبراهيمية والدعاء قبل التسليم.
س2: هل يجوز الدعاء بأمور الدنيا بعد التشهد الأخير؟
نعم، بعد الانتهاء من الصلاة الإبراهيمية والدعاء المأثور، يجوز للمصلي أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن دعاءً بإثم أو قطيعة رحم.
س3: ما حكم من نسي التشهد الأول وقام للركعة الثالثة؟
من نسي التشهد الأول وقام للركعة الثالثة، لا يرجع إليه، بل يكمل صلاته ويسجد للسهو سجدتين قبل أن يُسلم.

