يحرص المسلمون على إحياء ليالي شهر رمضان، خاصة العشر الأواخر منه، بالتقرب إلى الله تعالى بأداء صلاة التهجد وقيام الليل، ويُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يُحبها الله، وهو وسيلة يناجي بها العبد ربه؛ لينال رحمته ومغفرته، ويجد السكينة والطمأنينة، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الموثوقة من القرآن والسنة، مع بيان حكم الصيغ الشائعة، ليكون دليلاً لمن يبحث عن كلمات يناجي بها ربه في هذه الأوقات المباركة.
أدعية ثابتة في صلاة التهجد وقيام الليل من السنة النبوية
الأفضل للمسلم أن يدعو بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها من البركة والفضل ما لا يوجد في غيرها، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء استفتاح صلاة التهجد: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال:
 “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ – أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ”. (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1120). 
- دعاء ليلة القدر: وهو من أجمع الأدعية وأفضلها، خاصة في العشر الأواخر، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال:
 “قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”. (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وقال: “حديث حسن صحيح”). 
- دعاء جامع:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”. (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 486). 
- دعاء الكرب وتفريج الهم:
 “اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا”. (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3502، وحسنه الألباني). 
صيغ وأدعية عامة شائعة في قيام الليل
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية العامة التي لم ترد بنصها في السنة النبوية، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يجوز الدعاء بها على أن لا يُعتقد أن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة مأثورة، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ.”.
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، سِلْمًا لِأَوْلِيَائِكَ وَحَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بِالكُفَّارِ مُلْحِقٌ.” (وهذا الدعاء معروف بدعاء القنوت، وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه وغيرها من الأدعية الطويلة المنتشرة، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت كنصوص محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذا الترتيب، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
الحكم الشرعي: يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وبأي صيغة كانت، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء أو إثماً أو قطيعة رحم، ومع ذلك، يبقى الفضل والكمال في لزوم الأدعية النبوية والقرآنية.
فضل الدعاء وأهميته في حياة المسلم
الدعاء ركن أساسي في عبادة المسلم وله تأثير عظيم، فهو يحقق للعبد القرب من الله، ويكون سبباً في نيل البركات ودفع الكربات.
1، التقرب من الله تعالى
عندما يرفع المسلم يديه إلى السماء، معترفاً بحاجته وفقره إلى الله، فإن ذلك من أعظم صور العبودية، قال الله تعالى:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”
(سورة البقرة، الآية 186).
2، الاستعانة بالله وحده
يلجأ المسلم إلى ربه في كل شؤونه، موقناً أن الحول والقوة بيده وحده، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
“إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 2516، وقال: “حديث حسن صحيح”).
3، سبب في دفع البلاء
يُعد الدعاء سلاحاً للمؤمن، فهو ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.
(المصدر: المستدرك على الصحيحين للحاكم، حديث رقم 1813، تنبيه: الحديث حسنه بعض أهل العلم، وضعفه آخرون، ولكن معناه العام في أن الدعاء من أسباب دفع البلاء صحيح وثابت بأدلة أخرى).
4، استجابة مضمونة بإذن الله
دعاء المسلم لا يضيع أبداً، فالله تعالى يكرم عبده بإحدى ثلاث صور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ”.
(المصدر: مسند الإمام أحمد، حديث رقم 11133، وصححه الألباني في صحيح الترغيب).
إرشادات لأداء صلاة التهجد
صلاة التهجد من النوافل العظيمة، وتُصلى بعد نوم، وأفضل وقتها هو الثلث الأخير من الليل، ولأدائها على الوجه الأكمل، يُنصح بالآتي:
- النية الخالصة لله تعالى، وأخذ قسط من النوم قبلها.
- عند الاستيقاظ، يُستحب ذكر الله تعالى والدعاء المأثور.
- البدء بركعتين خفيفتين اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- تُصلى الركعات مثنى مثنى (ركعتين ثم تسليم)، و للمصلي أن يصلي ما شاء الله له.
- يُستحب إطالة القراءة والركوع والسجود، والتدبر في الآيات.
- يُختم التهجد بركعة الوتر، امتثالاً للسنة النبوية.
دعاء صلاة التهجد للزوج والأبناء
الدعاء للأهل والذرية من أعظم القربات، خاصة في أوقات الإجابة، ويمكن للزوجة أو الزوج الدعاء للأسرة بأدعية عامة تحمل معاني الخير والصلاح، مثل:
- “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي زَوْجِي وَأَبْنَائِي، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ يَا خَيْرَ الحَافِظِينَ.”.
- “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ.”.
- “اللَّهُمَّ يَا كَرِيمُ، احْفَظْ لِي زَوْجِي وَأَطْفَالِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ سُوءٍ وَفِتْنَةٍ.”.
إن اغتنام هذه الأوقات المباركة في الدعاء والمناجاة هو تجارة رابحة مع الله، ففيها تُغفر الذنوب، وتُرفع الدرجات، وتُجاب الدعوات، فلنُقبل على ربنا بقلوب خاشعة ونفوس مطمئنة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 186.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1120، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 486، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3502، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 2516، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 11133، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء التهجد
ما هو أفضل وقت لصلاة التهجد والدعاء فيها؟
أفضل وقت لصلاة التهجد هو الثلث الأخير من الليل، وهو وقت النزول الإلهي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تكون أبواب السماء مفتوحة والدعاء أقرب للإجابة، ويبدأ هذا الوقت من منتصف الليل تقريباً حتى أذان الفجر.
هل يجب الالتزام بالأدعية المذكورة فقط في صلاة التهجد؟
لا يجب ذلك، الأدعية المأثورة من القرآن والسنة هي الأفضل والأكمل، ولكن يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من أمور دينه ودنياه، وأن يناجي ربه بلغته وبما في قلبه، طالما أن معنى الدعاء صحيح ولا يحتوي على إثم أو مخالفة شرعية.
ما هو البديل الصحيح للأدعية الطويلة المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الأفضل هو الإكثار من الأدعية الجامعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، و “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، هذه الأدعية قصيرة في مبناها، عظيمة في معناها، وتشمل خيري الدنيا والآخرة.
 
		

