إن من أسس الحياة الزوجية المستقرة أن تقوم على المودة والرحمة واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل تفاصيلها، وقد أرشدنا الشرع الحنيف إلى أذكار وأدعية مباركة تُقال في مناسبات خاصة، ومنها ما يتعلق بعلاقة الزوجين، لتكون بداية مباركة محمية بحفظ الله ورعايته، وتؤسس لأسرة صالحة تقوم على تقوى الله.

ومن السنن النبوية الشريفة التي يُستحب للزوج أن يحرص عليها عند إتيان أهله، الدعاء بكلمات تحفظ الزوجين والذرية من الشيطان، وتستجلب البركة من الله تعالى.

دعاء الجماع الصحيح الوارد في السنة النبوية

الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع هو ما ورد في الحديث الصحيح، وهو دعاء شامل يجمع بين طلب الحماية للزوجين وما قد يرزقهما الله من ولد.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا».

المصدر: متفق عليه (رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم 6388، ورواه مسلم في صحيحه، حديث رقم 1434).

شرح معاني الدعاء وفضله

يحمل هذا الدعاء المبارك معانٍ جليلة وفوائد عظيمة، ويمكن فهم فضله من خلال شرح أجزائه:

• “بِاسْمِ اللَّهِ”: هي استعانة بالله تعالى وتبرك باسمه في هذا الأمر الخاص، وهو من تمام العبودية لله في كل شأن.
• “اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ”: أي يا الله، أبعد عنا الشيطان واصرفه عنا، فلا يكون له علينا سبيل بالوسوسة أو الإيذاء أو إفساد هذه العلاقة المباركة.
• “وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا”: هذا دعاء بالبركة في الذرية، بحيث إذا قدر الله ورزق الزوجين ولدًا من هذا الجماع، فإن الله يحفظه ويحميه من تسلط الشيطان عليه، فلا يضره في دينه أو دنياه، وهذا من أعظم أسباب صلاح الأبناء.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل بقوله: “لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا”، وهو وعد نبوي صادق لمن واظب على هذا الذكر بيقين وإخلاص.

الفرق بين دعاء الدخول بالزوجة ودعاء الجماع

من المهم التمييز بين دعاءين يُقالان في سياق الزواج، حيث يخلط البعض بينهما، ولكل منهما موضعه وسنته الخاصة:

1. دعاء الدخول بالزوجة (ليلة الزفاف):هذا الدعاء يُقال مرة واحدة عند الدخول بالزوجة لأول مرة، السنة فيه أن يضع الزوج يده على ناصية (مقدمة رأس) زوجته ويدعو بالبركة قائلاً الدعاء المأثور.

   عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

   «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ».

   المصدر: رواه أبو داود (حديث رقم 2160) وحسنه الشيخ الألباني.

2. دعاء الجماع (عند كل علاقة):وهو الدعاء المذكور في بداية المقال “بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ…”، وهذا يُستحب قوله في كل مرة يأتي الرجل أهله، سواء في ليلة الزفاف أو بعدها.

تنبيهات هامة حول الدعاء

هل الدعاء مخصص لطلب الحمل؟

من الأخطاء الشائعة الظن بأن هذا الدعاء هو لطلب الحمل أو الإنجاب بشكل خاص، والصواب أن الغاية الأساسية منه هي طلب الحماية من الشيطان للزوجين وللذرية إن قُدِّرت، فالحفظ من الشيطان هو المقصد الأول، ورجاء صلاح الذرية هو ثمرة مباركة لهذا الحفظ الإلهي، أما طلب الولد فيكون بأدعية أخرى عامة مثل دعاء زكريا عليه السلام:

“رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” [آل عمران: 38].

حكم قول الزوجة للدعاء

الأصل أن الخطاب في الحديث موجه للزوج “لو أن أحدهم…”، ولكن لا مانع من أن تقوله الزوجة أيضًا في نفسها، فالدعاء والتحصن أمر مشروع لكلا الزوجين، فإذا قاله الزوج فقد حصلت السنة، وإن قالته الزوجة معه فهو خير وبركة، فكلاهما يطلب الحماية والخير من الله تعالى.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو دعاء الجماع الصحيح؟

الدعاء الصحيح الثابت في السنة هو: “بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا”، وهو مروي في صحيحي البخاري ومسلم.

هل هذا الدعاء يُقال فقط في ليلة الزفاف؟

لا، هذا الدعاء يُستحب قوله عند كل جماع بين الزوجين، أما الدعاء الخاص بليلة الزفاف فهو “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ…” ويُقال عند وضع اليد على ناصية الزوجة.

هل يجب على الزوجة أن تقول الدعاء أيضاً؟

السنة أن يقوله الزوج، وهو المخاطب في الحديث، ولكن لا حرج على الزوجة أن تقوله في نفسها من باب الدعاء والتحصن، وهو أمر حسن.

هل الهدف من الدعاء هو طلب الإنجاب؟

الهدف الأساسي للدعاء هو طلب الحماية من الشيطان للزوجين، وحفظ الذرية التي قد يرزقها الله لهما من تسلط الشيطان، فهو دعاء للحفظ والبركة وليس دعاءً مباشراً لطلب الولد.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر