يَحظى شهر رمضان بمكانة عظيمة، فهو شهر الرحمة والمغفرة، ويجتهد فيه المسلم بالعبادات والطاعات، ساعيًا للتقرب إلى الله تعالى، وتزداد هذه الأيام بركةً وفضلاً حين تجتمع مع فضيلة يوم الجمعة، الذي هو خير أيام الأسبوع، فيحرص المسلمون على اغتنام ساعاته بالذكر والدعاء، راجين من الله القبول والمغفرة.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة ليوم الجمعة
الأصل في الدعاء هو الإخلاص والالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير كله، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة التي يُستحب الإكثار منها في يوم الجمعة وغيره من الأوقات الفاضلة:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
- دعاء لطلب المغفرة وتطهير القلب: وهو من الأدعية الثابتة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بها صلاته.
“اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ”، (متفق عليه)
.
- دعاء القنوت الذي علمه النبي للحسن بن علي: وهو دعاء عظيم يجمع الهداية والعافية والبركة.
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”، (رواه أبو داود والترمذي، حديث صحيح)
.
- دعاء شامل لطلب خيري الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، (رواه مسلم)
.

صيغ أدعية شائعة تُنسب للجمعة في رمضان
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي يخصصونها لأيام معينة، مثل الجمعة الأولى أو الثانية أو الثالثة من رمضان، ورغم جمال معانيها، إلا أنه من المهم التنبيه على أنها لم ترد بصيغة مخصصة في السنة النبوية، ومن أمثلة هذه الأدعية المتداولة:
- “اللّهم في الجمعةِ الثالثةِ من شهر رمضان نسألُك أن تتقبَّل صيامَنا وتجعلَنا من عبادِك المهتدين، وتمنَّ علينا بإصلاحِ أحوالِنا وتُفرِّج كروبَنا…”.
- “يا رب نسألُك في هذه الجمعةِ المباركة أن تكتبَ لنا رضاك وترزقَنا عفوَك وتغفرَ لنا زلَّاتِنا، اللّهم اجعلْنا من أهل جنَّتِك ومن عتقائِك من النار…”.
- “اللّهُمَّ اجعَلني فيهِ مِنَ المُستَغْفِرينَ، وَاجعَلني فيهِ مِن عِبادِكَ الصّالحينَ القانِتينَ، وَاجعَلني فيهِ مِن أوليائِكَ المُقَرَّبينَ، بِرأفَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمينَ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كتخصيص لأسبوع معين من رمضان، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع، دون تخصيصها بوقت أو كيفية لم ترد بها السنة.
حكم تخصيص الجمعة في رمضان بأدعية معينة
أوضح أهل العلم أن تخصيص وقت معين بعبادة لم يخصصها الشرع يُعد من الأمور المحدثة، يوم الجمعة وشهر رمضان كلاهما وقت مبارك وفاضل، ويُستحب الإكثار من الدعاء فيهما بشكل عام دون تحديد دعاء معين لكل جمعة على حدة، فالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كافية وشاملة، ويمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت، وأن يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة بما يشاء، دون أن يعتقد أن لهذه الصيغ المخصصة فضلًا خاصًا.

مكانة الدعاء في الشريعة الإسلامية
للدعاء مكانة عظيمة في الإسلام، فهو العبادة التي تُظهر صلة العبد المباشرة بربه، وهو ليس مجرد كلمات، بل تعبير صادق عن الإيمان والتوكل على الله، وتبرز أهميته في جوانب عدة:
- جوهر العبادة: فالدعاء يُظهر افتقار العبد لربه، واعتماده الكامل عليه، وهو ما يحبه الله من عباده.
- تقوية الإيمان: الدعاء يثبّت قلب المسلم ويزيده يقينًا، خاصة عند الشدائد، حيث يجد الطمأنينة في اللجوء إلى الله.
- سبب لجلب الخير ودفع الشر: بالدعاء تُستجلب النعم وتُدفع النقم، وهو من أقوى الأسباب لتحقيق المقاصد بإذن الله.
- تعزيز المحبة بين المسلمين: دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب من أسباب توثيق روابط الأخوة ونشر المحبة، وتؤمّن عليه الملائكة بمثل ما دعا.
فضل يوم الجمعة في شهر رمضان
يجتمع في يوم الجمعة من شهر رمضان فضيلتان عظيمتان: فضل الزمان المتعلق باليوم، وفضل الزمان المتعلق بالشهر، وقد وردت في فضل يوم الجمعة أحاديث صحيحة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ”، (رواه مسلم)
ومن أعظم فضائل هذا اليوم أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه، وهذه فرصة عظيمة للمسلم أن يلحّ في الدعاء، خاصة في شهر رمضان الذي تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار.

المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6360، وصحيح مسلم، حديث رقم 744، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1425، وسنن الترمذي، حديث رقم 464، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2739، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 854، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل هناك دعاء مخصص للجمعة الثالثة من رمضان؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية المطهرة دعاء مخصص للجمعة الأولى أو الثانية أو الثالثة من رمضان، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، أو بما يفتح الله عليه من الدعاء الطيب دون تخصيص.
ما هو أفضل وقت للدعاء يوم الجمعة؟
يوم الجمعة كله وقت للدعاء، وأرجى الأوقات للإجابة هي آخر ساعة بعد العصر قبل غروب الشمس، وكذلك وقت الخطبة والصلاة، وما بين الأذان والإقامة.
هل يجوز الدعاء بالصيغ المنتشرة على الإنترنت؟
يجوز الدعاء بأي صيغة طيبة لا تحتوي على مخالفة شرعية، ولكن لا يجوز اعتقاد أن لها فضلًا خاصًا أو أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ذلك بدليل صحيح، والأولى دائمًا هو الالتزام بالأدعية النبوية الجامعة.