يجد العبد المؤمن في الدعاء ملاذًا آمنًا وصلةً مباشرةً بخالقه سبحانه وتعالى، ففي أوقات الشدة والحاجة، لا ملجأ من الله إلا إليه، إن التضرع إلى الله هو جوهر العبادة، وهو يقين بأن مقاليد الأمور كلها بيده، فهو القادر على تيسير العسير، وقضاء الحوائج، وتفريج الكروب، إن اللجوء إلى الله بالدعاء ليس مجرد طلب، بل هو إظهار للفقر والعبودية له، وثقة مطلقة في كرمه ورحمته التي وسعت كل شيء.
أدعية صحيحة من السنة النبوية لقضاء الحاجة وتفريج الكرب
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهما الكفاية والبركة، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة التي يُرجى لمن دعا بها بإخلاص ويقين أن يفرّج الله كربه ويقضي حاجته.
دعاء الكرب
من أعظم الأدعية التي وردت في السنة لتفريج الهموم والكروب ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
“أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: صحيح البخاري (6346)، وصحيح مسلم (2730).

دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
هذا الدعاء من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، حيث يجمع بين طلب خير ما دعا به النبي والاستعاذة من شر ما استعاذ منه، وهو مناسب لكل حاجة ومطلب:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.”
المصدر: سنن ابن ماجه (3846)، وصححه الألباني.
دعاء طلب العون من الله
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمضطر الذي يطلب رحمة الله وعونه:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.”
المصدر: سنن أبي داود (5090)، وحسّنه الألباني.

صيغ وأدعية عامة شائعة لقضاء الحاجة
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء عند طلب الرزق أو قضاء الحوائج، وهي أدعية حسنة المعنى يمكن الدعاء بها على وجه العموم، ولكن من المهم معرفة أنها لم ترد بنصها في السنة النبوية، ومن أمثلة ذلك:
- لطلب الرزق الحلال: “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.” (هذا الدعاء ورد في حديث حسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو مناسب جداً لقضاء الدين وطلب الغنى).
- لطلب التيسير والفرج: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.” (هذا المعنى صحيح ومستفاد من نصوص عامة، لكن هذه الصيغة المحددة لم تثبت في حديث صحيح).
- عند الشعور بالظلم والضعف: “يَا رَبِّ، أَنْتَ حَسْبِي وَوَكِيلُ أَمْرِي، أَنْتَ سَنَدِي حِينَ تَخُونُنِي قُوَّتِي، فَلَا تَجْعَلْ حَاجَتِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَكْرِمْنِي بِكَرَمِكَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ.”.
- لطلب الطمأنينة: “يَا الله، يَا جَابِرَ الْقُلُوبِ الْمُنْكَسِرَةِ، وَيَا رَافِعَ الْهِمَمِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْبُرَ كَسْرِي، وَتُيَسِّرَ أَمْرِي، وَتَشْرَحَ صَدْرِي، وَتَقْضِيَ حَاجَتِي، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”.

تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: الصيغ المذكورة أعلاه (عدا دعاء “اللهم اكفني بحلالك…”) هي مما يتداوله بعض الناس لمعانيها الطيبة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من أدعية طيبة لا تخالف الشرع.
صلاة الحاجة: حكمها وكيفيتها
صلاة الحاجة هي صلاة نافلة يصليها المسلم عندما تكون له حاجة ملحة عند الله أو عند أحد من خلقه، وقد ورد في شأنها حديث اختلف العلماء في درجة صحته، فمنهم من حسّنه وعمل به، ومنهم من ضعّفه، ومن باب الأمانة العلمية، نوضح الأمر:
- كيفيتها: أن يتوضأ المسلم فيحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين، ثم يثني على الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
- الدعاء بعدها: يدعو بالدعاء المأثور في الحديث (على قول من حسّنه) وهو:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”
ثم يسأل الله من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يُقدّر.
- الحكم الشرعي: العمل بالحديث محل خلاف، فمن رأى صحته استحب الصلاة والدعاء، ومن رأى ضعفه اكتفى بالدعاء العام في أوقات الإجابة دون تخصيص صلاة معينة، والأمر فيه سعة، واللجوء إلى الله بالدعاء مشروع في كل حال.
الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء
يُشرع للمسلم الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات وأحوال تكون أقرب للإجابة، وردت بها نصوص شرعية صحيحة، ومنها:
- في السجود: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ.”
(صحيح مسلم).
- الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ويقول:
“مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟”
(صحيح البخاري).
- بين الأذان والإقامة: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.”
(سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
- ساعة الإجابة يوم الجمعة: وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.”
(صحيح البخاري).
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة، ويُستحب الدعاء فيه.
- دعوة الصائم عند فطره: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ.”
(سنن ابن ماجه، وحسّنه بعض أهل العلم).
- دعاء يوم عرفة: لقوله صلى الله عليه وسلم:
“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ.”
(سنن الترمذي، حديث حسن).
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، (أحاديث مختلفة)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لقضاء الحاجة؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “دعاء الكرب” (لا إله إلا الله العظيم الحليم…)، ودعاء يونس عليه السلام:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
، والأهم من صيغة الدعاء هو الإخلاص واليقين بالله تعالى.
هل صلاة الحاجة ثابتة وصحيحة؟
الحديث الوارد في صلاة الحاجة محل خلاف بين العلماء؛ فمنهم من يراه حديثًا حسنًا ويستحب العمل به، ومنهم من يراه ضعيفًا، لذا، يمكن للمسلم أن يصليها أخذًا بقول من حسّن الحديث، أو يكتفي بالدعاء في أوقات الإجابة المعتادة كالسجود وآخر الليل، والأمر في ذلك واسع.
ما هي شروط استجابة الدعاء؟
من أهم شروط استجابة الدعاء: الإخلاص لله وحده، واليقين التام بالإجابة، وحضور القلب، وعدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، وتحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس، والإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال.