يُقصد بالمكروب مَن يواجه ظروفًا عصيبة تثقل كاهله وتورث قلبه همًا وحزنًا، فيلجأ إلى الله تعالى بقلبٍ خاشعٍ ولسانٍ صادقٍ، طالبًا العون والفرج، فالله سبحانه هو الملجأ الأوحد القادر على كشف الضر وتفريج الكروب، وفيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يُشرع للمكروب أن يتوجّه بها إلى ربه.
أدعية الكرب والهم الثابتة في السنة النبوية
إن خير ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة وثابتة المصدر، ومن هذه الأدعية:
1، دعاء الكرب العظيم
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:
«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم)، هذا الدعاء من أعظم ما يُقال عند الشدائد، وفيه تعظيم لله وتوحيد له بأسمائه وصفاته.
2، دعاء إزالة الهم وجلاء الحزن
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»
المصدر: رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني، وهو دعاء عظيم يتضمن إقرارًا بالعبودية لله والتوسل بأسمائه الحسنى.
3، دعاء الاستعاذة من الهم والحزن
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي يكثر منه، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»
المصدر: رواه البخاري، وهو دعاء جامع يستعيذ فيه المسلم من ثمانية أمور هي منبع أكثر هموم الدنيا.
4، دعاء المكروب الذي يرجو رحمة الله
عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب”:
«اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»
المصدر: رواه أبو داود، وحسّنه الألباني، وفيه تفويض كامل للأمر لله والاعتراف بالضعف والحاجة إليه.
5، دعاء ذي النون (نبي الله يونس عليه السلام)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ”:
«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”.
المصدر: الآية من سورة الأنبياء [الأنبياء: 87]، والحديث رواه الترمذي وصححه الألباني.
أدعية عامة ومأثورة لتفريج الهم وتيسير الأمور
إلى جانب الأدعية النبوية المحددة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بصيغ عامة ومأثورة عن السلف، أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ يَا فَارِجَ الْهَمِّ، وَكَاشِفَ الْغَمِّ، مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، أَنْتَ تَرْحَمُنِي، فَارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، (وهو دعاء التوسل بالاسم الأعظم كما ورد في حديث صحيح رواه أهل السنن).
- يَا رَبِّ، إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، (هذا الدعاء مأثور في قصة رجوع النبي من الطائف، وفي سنده مقال، لكن معناه صحيح ويمكن الدعاء به).
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةً، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.
أهمية الدعاء ومنزلته في الإسلام
الدعاء هو العبادة، وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وله منزلة عظيمة في حياة المسلم، وتتجلى أهميته في النقاط التالية:
- صلة مباشرة بالخالق: الدعاء هو حبل الوصل بين العبد وربه، يعترف فيه العبد بفقره وحاجته، ويقر بعظمة الله وقدرته، قال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
- سبب لدفع البلاء ورفعه: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، قال صلى الله عليه وسلم:
“لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ”
(رواه الترمذي وحسنه الألباني).
- تحصيل الأجر والثواب: سواء استُجيب للداعي في الدنيا أم لا، فإنه مأجور على عبادة الدعاء نفسها، فقد يدفع الله عنه من السوء مثله، أو يدخره له في الآخرة.
- طمأنينة القلب وسكينة النفس: مناجاة الله وبث الشكوى إليه تمنح القلب راحة وطمأنينة لا مثيل لها، وتزيل مشاعر العجز واليأس، قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”
[الرعد: 28].
- دليل على التوكل وحسن الظن بالله: رفع اليدين إلى الله هو قمة التوكل عليه، وإظهار لليقين بأنه سبحانه هو القادر على كل شيء، وأنه أرحم بعبده من نفسه.
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لتفريج الكرب الشديد؟
يعتبر دعاء الكرب “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…” الذي رواه البخاري ومسلم من أصح وأعظم ما ورد في هذا الباب، وكذلك دعاء يونس عليه السلام “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية أو بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته وبما يجول في خاطره، ما دام المعنى صحيحًا وليس فيه اعتداء في الدعاء، والأفضل دائمًا هو الجمع بين الأدعية المأثورة من القرآن والسنة والدعاء بحاجات النفس الخاصة.
ما هي أوقات استجابة الدعاء؟
هناك أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة (خاصة آخر ساعة منه)، وعند نزول المطر، وفي السفر، ودعاء الصائم حتى يفطر.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب دعاء الكرب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث عبد الله بن مسعود في دعاء الهم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- جامع الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعوة ذي النون، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).

