الحزن والضعف من المشاعر الطبيعية التي تعتري الإنسان، وقد تمر عليه أوقات يشعر فيها بالهمّ وثقل النفس، وإن من أعظم السبل لتجاوز هذه الأوقات هو اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء الصادق، فهو العبادة التي تفتح الأبواب، وتُريح القلوب، وتمنح النفس القوة والطمأنينة، وتُنير الطريق نحو الفرج واليُسر.
وفيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي تُعين المسلم عند الشعور بالهم والحزن، مع بيان مصادرها الموثوقة.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لتفريج الهم والحزن
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي كافية وشافية، وفيها الخير والبركة، ومن هذه الأدعية العظيمة:
1، دعاء الكرب
هذا الدعاء من أعظم ما يُقال عند الشدائد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به عند الكرب.
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم.
2، دعاء إزالة الهم والحزن
أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء لمن أصابه همٌّ أو حزن، ووعد بأن الله سيُبدل حزنه فرحاً.
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.”
المصدر: حديث صحيح، رواه الإمام أحمد.
3، دعاء الاستعانة برحمة الله
دعاء عظيم يُظهر افتقار العبد إلى ربه، ورجاءه لرحمته في كل شؤونه.
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.”
المصدر: حديث حسن، رواه أبو داود.

4، دعاء ذي النون (يونس عليه السلام)
وهو دعاء نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دعا به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.”
المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87.
5، دعاء الاستعاذة بالله
دعاء نبوي جامع يُظهر التجاء العبد الكامل إلى الله، والاعتراف بعظمته.
“اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.”
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم.
صيغ شائعة وأدعية عامة
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد في نصوص شرعية ثابتة، ولكنها تحمل معاني طيبة في التضرع إلى الله، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، ما لم تتضمن محذوراً شرعياً، ومن أمثلة ذلك:
- اللهم إنّي ضعيف فقوّني، وإنّي ذليل فأعزّني، وإنّي فقير فارزقني، أسألك خير الأمور كلها، وجوامع الخير وخواتمه..
- حسبي الله لما أهمّني، حسبي الله لمن بغى عليّ، حسبي الله لمن حسدني، حسبي الله لمن كادني بسوء، حسبي الله عند الموت، حسبي الله عند السؤال في القبر، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم..
- أناجيك يا موجوداً في كل مكان، لعلك تسمع ندائي، فقد عَظُمَ جرمي وقلّ حيائي، مولاي يا مولاي… (يُنسب هذا الدعاء وغيره في بعض المصادر إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين، وهو معروف بـ “دعاء الحزين”).

تنبيه هام وحكم “دعاء الحزين” المنسوب للإمام السجاد
تنبيه وإخلاء مسؤولية: الصيغ المذكورة أعلاه، بما في ذلك ما يُعرف بـ “دعاء الحزين” المنسوب للإمام السجاد أو الوارد في كتب مثل “مفاتيح الجنان”، هي مما يتداوله بعض الناس، **ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام.**
الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كافية ومباركة، وفيها غنية عن غيرها، ويجوز للمسلم أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، شريطة ألا يكون في دعائه اعتداء أو مخالفة شرعية.
آداب الدعاء وأسباب الإجابة
لتحقيق استجابة الدعاء بإذن الله، يُستحب للمسلم أن يلتزم بآداب الدعاء التي تزيد من فرصة قبوله، ومنها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصاً لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
- حضور القلب: الدعاء بقلب خاشع وموقن بالإجابة، مع استشعار عظمة الله.
- تحري الحلال: الحرص على أن يكون المأكل والمشرب والملبس من مال حلال.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة.
- البدء بالثناء على الله والصلاة على النبي: يُستحب افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وختمه بذلك.

المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- حديث “دعاء الكرب”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6346، وصحيح مسلم، حديث رقم 2730 على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني عبدك ابن عبدك”، (يمكن مراجعته في مسند أحمد، حديث رقم 3712، وصححه الألباني على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم رحمتك أرجو”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود، حديث رقم 5090، وحسنه الألباني على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أعوذ برضاك من سخطك”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم، حديث رقم 486 على موسوعة الدرر السنية).

أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت للدعاء عند الحزن؟
يمكن الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل “دعاء الحزين” المنسوب للإمام السجاد صحيح؟
لا يوجد سند صحيح متصل يثبت نسبة هذا الدعاء إلى الإمام زين العابدين أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأولى للمسلم الالتزام بالأدعية المأثورة الصحيحة، فهي أكثر بركة وأعظم أجراً.
هل يجوز لي أن أدعو بأسلوبي الخاص؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يحتاجه من أمور الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص ولهجته، ما دام محتوى الدعاء لا يخالف الشريعة الإسلامية، كالدعاء بإثم أو قطيعة رحم.