إن تعظيم شعائر الله من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، فهي دليل حيّ على تقوى القلوب وصدق الإيمان، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]
وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة في تطبيق هذه الشعائر، فما ترك خيرًا إلا ودلنا عليه، ولا شرًا إلا وحذرنا منه، وكل أقواله وأفعاله وحيٌ من الله، كما قال تعالى:
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3-4]
ومن هذه السنن النبوية المباركة، الأذكار والأدعية التي تُقال في مواطن معينة، ومنها دعاء الخروج من المسجد، الذي يمثل حصنًا للمسلم وطلبًا لفضل الله ورزقه بعد أداء العبادة.
نص دعاء الخروج من المسجد الصحيح الوارد في السنة
المساجد هي بيوت الله في الأرض، وقصدها عبادة عظيمة يُثاب عليها المسلم، وكما شرع الإسلام دعاءً عند دخولها لطلب الرحمة، فقد شرع أيضًا دعاءً عند الخروج منها لطلب الفضل والرزق والحماية من الشيطان، وقد وردت عدة صيغ صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، مما يتيح للمسلم الدعاء بما تيسر له منها.
من أبرز الصيغ الصحيحة لدعاء الخروج من المسجد:
عن أبي حُميدٍ أو عن أبي أُسيدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 713)
وردت صيغ أخرى صحيحة تجمع بين البسملة والصلاة على النبي والدعاء، ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
(المصدر: صحيح ابن ماجه، حديث رقم 627، حديث صحيح)
صيغ منتشرة لم تثبت صحتها
يتداول بعض الناس حديثًا يُنسب للنبي صلى الله عليه وسلم في فضل دعاء معين عند الخروج من المسجد، ونصه:
تنبيه هام: هذا الحديث المذكور أعلاه حديث ضعيف جدًا أو موضوع، ولم يثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير والحفظ للمسلم.
دعاء الخروج من المسجد للأطفال
إن تعليم الأطفال أمور دينهم منذ الصغر يغرس في قلوبهم محبة الله ورسوله، كما قيل: “العِلمُ في الصِّغرِ كالنقشِ على الحجر”، ومن أفضل ما يمكن تعليمه للطفل هو الأذكار اليومية البسيطة، ومنها دعاء الخروج من المسجد.
عند اصطحاب أطفالك إلى المسجد، يمكنك تعليمهم الصيغة الأسهل والأشهر للدعاء بأسلوب مبسط، مثل:
- عندما نخرج من بيت الله، نبدأ بالرجل اليسرى.
- ثم نقول دعاءً جميلاً علمنا إياه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
- الدعاء هو: “بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ”.
هذه العادة التربوية تربط الطفل بالمسجد وبذكر الله، وتجعله يشعر أن كل خطوة في حياته متصلة بالله تعالى.
أدعية الدخول والخروج من المسجد: هدي نبوي متكامل
جعلت السنة النبوية الشريفة لكل حركة يقوم بها المسلم ذكرًا ودعاءً، ومن ذلك آداب دخول المسجد والخروج منه، مما يجعل المسلم في ذكر دائم لربه، فكما أن الدخول يكون لطلب الرحمة، فإن الخروج يكون لطلب الفضل والرزق.
دعاء دخول المسجد:
«اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»
دعاء الخروج من المسجد:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»
يُستحب للمسلم أن يبدأ دخوله للمسجد برجله اليمنى، وخروجه برجله اليسرى، وأن يجمع بين هذه الأدعية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الأحاديث الصحيحة، فيكون قد طبق السنة كاملة ونال أجرها بإذن الله.
أهمية وفوائد دعاء الخروج من المسجد
لم يرد نص نبوي صريح يخصص فضلاً معينًا لهذا الدعاء بعينه، ولكن يمكن استنباط أهميته وفوائده العظيمة من معانيه وسياقه:
- اتباع السنة النبوية: إن الحرص على هذا الدعاء هو تطبيق مباشر لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اتباع سنته الأجر العظيم والبركة في الحياة.
- طلب فضل الله: بعد أن فرغ المسلم من العبادة وطلب الرحمة داخل المسجد، يخرج إلى شؤون حياته وسعيه لطلب الرزق، فيكون هذا الدعاء استعانة بالله لفتح أبواب فضله ورزقه الحلال.
- الحفظ من الشيطان: تضمنت بعض الروايات الصحيحة الاستعاذة من الشيطان عند الخروج، وهذا فيه طلب للحماية الإلهية من وساوسه وشروره في أمور الدنيا.
- دوام الصلة بالله: هذه الأذكار تجعل المسلم دائم الصلة بربه، فيذكره عند دخوله بيته، وعند خروجه منه، فيكون في معية الله وحفظه في كل أحواله.
المصادر والمراجع
- سورة الحج، الآية 32.
- سورة النجم، الآيتان 3-4.
- صحيح مسلم، حديث رقم 713، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح ابن ماجه، حديث رقم 627، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو الدعاء الصحيح عند الخروج من المسجد؟
أصح وأشهر صيغة هي: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ”، كما ورد في صحيح مسلم، ويصح أيضًا قول: “اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” مع البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
هل حديث “جنود إبليس” الذي يُقال عند الخروج من المسجد صحيح؟
لا، هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حكم عليه المحدثون بأنه ضعيف جدًا أو موضوع، والأفضل للمسلم الاقتصار على الأدعية الثابتة في السنة الصحيحة.
ما هي السنة في الخروج من المسجد بالقدم؟
السنة أن يخرج المسلم من المسجد مقدمًا قدمه اليسرى، ويدخل مقدمًا قدمه اليمنى، وهو من الآداب التي أجمع عليها العلماء استنباطًا من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في التيامن في الأمور الطيبة.

