الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو سلاح المؤمن في مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها، إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء ليس مجرد طلب لحاجة، بل هو إظهار للعبودية والافتقار إلى الله، ويقين بقدرته ورحمته، وقد يبتلي الله عبده ليسمع تضرعه ودعاءه، ويرى صدق إيمانه وتوكله عليه، فيكون البلاء سبيلاً لرفعة الدرجات وتكفير السيئات، ويجد العبد بعد الكرب لذة الفرج وعظيم رحمة الله.
وعندما تضيق السبل، وتشتد الكروب، فإن التوجه إلى الله بقلب خاشع ونفس مطمئنة هو أعظم ما يمنح العبد السكينة والقوة، فالله سبحانه وتعالى قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، وهو نصير المظلومين وملاذ الخائفين.
أدعية صحيحة من السنة النبوية عند الخوف من ظالم أو ذي سلطان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، وفيها الكفاية والغنيمة، فيما يلي بعض الأدعية الصحيحة الثابتة التي تُقال عند الخوف من شخص أو ظالم:
1، دعاء الكرب والهم
وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم، ومنها ما يكون سببه الخوف من تسلط الآخرين.
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.”
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني، وهو حديث عظيم يُرجى لمن دعا به أن يُذهب الله همه ويُبدله فرجًا.
2، دعاء لقاء العدو وذي السلطان
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف من قوم أو سلطان دعا بهذا الدعاء.
“اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ.”
المصدر: سنن أبي داود، وصححه الألباني، ومعنى “في نحورهم” أي نستعين بك لتدفعهم عنا وتمنعنا من شرهم.
3، دعاء الخوف من السلطان
دعاء مأثور عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الخوف من ظالم.
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَأَحْزَابِهِ مِنْ خَلَائِقِكَ، أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.”
المصدر: الأدب المفرد للبخاري، وصححه الألباني، “أن يفرط عليّ”: أي يعجل عليّ بالعقوبة، “أو يطغى”: أي يتجاوز الحد في ظلمي.
أدعية من القرآن الكريم للحماية والنجاة
القرآن الكريم مليء بالآيات التي يمكن للمسلم أن يدعو بها ويتوسل إلى الله بمعانيها العظيمة.
- لطلب الكفاية من الله ضد كل شر:
“فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
[سورة البقرة: 137].
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام عند خوفه من فرعون وبطشه:
“قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”
[سورة القصص: 21].
- للتوكل على الله والاستعانة به، وهو خير الحافظين:
“فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”
[سورة يوسف: 64].
صيغ وأدعية عامة شائعة
هناك بعض الصيغ التي يتداولها الناس، وهي وإن كانت معانيها صحيحة في الجملة، إلا أنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن الدعاء بها كدعاء عام دون نسبتها للسنة أو اعتقاد فضل خاص بها، ومن أمثلتها:
- “اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ يَا جَبَّارُ، أَسْأَلُكَ بِعَظَمَتِكَ الَّتِي لَا يُعْجِزُهَا شَيْءٌ، أَنْ تَصْرِفَ عَنِّي شَرَّ فُلَانٍ وَتُبْعِدَهُ عَنْ طَرِيقِي، وَأَنْ تُسْدِلَ عَلَيَّ سِتْرَ حِمَايَتِكَ وَلُطْفِكَ.”.
- “رَبِّ أَنْتَ حَسْبِي وَوَكِيلِي، وَمَلَاذِي وَمَلْجَئي، أَسْأَلُكَ يَا قَهَّارُ أَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ مَنْ آذَانِي، وَأَنْ تَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَظُلْمِهِ، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ بَطْشِهِ وَقُوَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ لِي وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
- “يَا مَنْ نَجَّيْتَ إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ، وَنَجَّيْتَ يُوسُفَ مِنَ الْبِئْرِ، وَنَجَّيْتَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، نَجِّنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَظُلْمٍ وَهَمٍّ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله.
ما حكم الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية وبأي صيغة كانت، بشرط ألا تحتوي على محظور شرعي أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأعظم بركة، لأنه من جوامع الكلم، ولأن الداعي به يجمع بين عبادتَي الدعاء واتباع السنة.
في الختام، الدعاء هو العبادة التي تظهر صدق تعلق العبد بربه، وهو وسيلة لنيل معيّة الله وحفظه وتأييده، فليحرص المسلم على الإكثار من الدعاء بيقين وإخلاص، وليختر من الأدعية أجمعها وأنفعها، وهي أدعية الكتاب والسنة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 137.
- سورة القصص، الآية 21.
- سورة يوسف، الآية 64.
- حديث “اللهم إني عبدك…”، المصدر: مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إنا نجعلك في نحورهم…”، المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1537، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- أثر ابن مسعود “اللهم رب السماوات السبع…”، المصدر: الأدب المفرد للبخاري، حديث رقم 707، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل وقت للدعاء لرد الظلم؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، كما أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، في أي وقت دعا.
هل الأدعية المذكورة في هذا المقال صحيحة؟
نعم، تم التركيز على ذكر الأدعية الصحيحة الثابتة من السنة النبوية الشريفة، مع ذكر مصادرها ودرجة صحتها، كما تم التمييز بينها وبين الصيغ العامة المنتشرة مع التنبيه على أنها لم ترد في السنة.
هل يجوز أن أدعو على من ظلمني؟
يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته، ولكن العفو والصفح أفضل وأعظم أجراً عند الله، لقوله تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”، والأفضل من ذلك هو الدعاء له بالهداية والصلاح.

