يَميلُ الإنسانُ بطبيعَتِه إلى الخوفِ من المجهول وما يكتنف المستقبل من غيبٍ لا يملكُ قدرةً على معرفته، وفي قلب هذا الشعور، يجد المؤمن ملاذه الآمن في التوكل على الله والتَّوسل إليه بالدعاء، فهو السبيلُ الأمثلُ الذي يمنَحُ القلبَ الطمأنينة والسكينة، إن إيكال الأمر كله لله، الذي بيده مقاليدُ كل شيء، يورث العبد اطمئناناً عميقاً بحكمته وقدرته، فالله سبحانه هو حسبنا ونعم الوكيل.
إن الإلحاح في الدعاء واليقين بالإجابة من أعظم العبادات التي تخفف عن النفس ثقل الخوف وتبدد رهبة المستقبل، فالله سبحانه سميعٌ قريب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويكشف السوء، ويدبر الأمر بحكمته التي قد تخفى على العقول البشرية، وهو على كل شيء قدير.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لمواجهة الخوف والقلق
إن خير ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة مباركة، وهي كافية وشافية لمن تعلق قلبه بالله، ومن أعظم ما ورد في هذا الباب:
- دعاء الكرب والهم الشديد: وهو من الأدعية النبوية الصحيحة التي تُقال عند الشعور بالضيق الشديد.
«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346).
- دعاء تفريج الهم وجلاء الحزن: وهو دعاء عظيم يُذهب الله به الهم والغم.
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي»
(المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني).
- دعاء نبي الله يونس (عليه السلام): وهو دعاء لم يدع به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
(سورة الأنبياء، الآية 87).
- دعاء الاستعاذة من الشرور: للتحصن من كل ما يُخشى منه.
«أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2709).
أدعية عامة وصيغ شائعة لطلب الطمأنينة
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية التي لم ترد في نصوص الوحي، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن الدعاء بها على سبيل العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل والأكمل، ومن أمثلة هذه الصيغ:
- اللَّهُمَّ يَا مَالِكَ الْمُلْكِ، وَيَا مَنْ بِيَدِهِ تَدْبِيرُ الْأُمُورِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنِي بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكُونَ لِي عَوْنًا وَنَصِيرًا، وَأَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ خَلْقِكَ، عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
- يَا رَبِّ، كَمَا سَخَّرْتَ الْبَحْرَ لِمُوسَى، وَأَلَنْتَ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ، سَخِّرْ لِي قُلُوبَ عِبَادِكَ، وَاخْتَرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي، وَإِنِّي ذَلِيلٌ فَأَعِزَّنِي، وَإِنِّي فَقِيرٌ فَأَغْنِنِي، اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
- رَبِّ، أَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، فَأَنْتَ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي كُلَّ عَسِيرٍ، وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ سُوءٍ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة والاتباع.
ما حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة؟
يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية التي ليس فيها إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء، ما دامت معانيها صحيحة ومتوافقة مع أصول العقيدة الإسلامية، ومع ذلك، فإن الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً، لأنها من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أبعد عن الخطأ والزلل.
التوكل على الله: أساس الطمأنينة في مواجهة المستقبل
إن الخوف من المستقبل شعورٌ طبيعي، لكن علاجه يكمن في ترسيخ اليقين بالله والتوكل عليه، فالمؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهناك خطوات عملية وإيمانية تعين على تحقيق السكينة النفسية:
- تعميق الإيمان بالقدر: الإيمان بأن كل ما يجري في الكون هو بتقدير من الله وحكمته، مما يورث القلب الرضا والتسليم.
- المداومة على الذكر: فذكر الله هو الحصن الحصين الذي يقي من وساوس الشيطان ومخاوف النفس، كما قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”
(سورة الرعد، الآية 28).
- الأخذ بالأسباب المشروعة: التوكل لا يعني ترك العمل، بل هو عمل القلب مع اعتماد الجوارح على الأخذ بالأسباب التي أباحها الله، مع اليقين بأن النتائج بيده سبحانه.
- حُسن الظن بالله: أن يثق العبد بأن الله لن يخذله، وأن ما يختاره له هو الخير، حتى وإن بدا في ظاهره شراً.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الرعد، الآية 28.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2709، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لتفريج الهم؟
كل أوقات الدعاء خير، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل يجوز أن أدعو بلهجتي العامية وبما في قلبي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يناجي ربه بما في قلبه وباللغة التي يتقنها، فالله سبحانه يعلم ما في الصدور ويسمع كل اللغات واللهجات، المهم هو صدق التوجه وحضور القلب.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الأفضل والأكمل هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “دعاء الكرب” و”دعاء الهم والحزن” المذكورين في هذا المقال، فهي أدعية مباركة وجامعة لخيري الدنيا والآخرة.

