إن ليلة القدر من أعظم الليالي التي يتقرب فيها العبد إلى ربه، راجيًا رحمته ومغفرته واستجابة دعائه، ومن الأمور التي تشغل بال الكثيرين هو الدعاء بالزواج الصالح، فهو سكن ومودة ورحمة، وفي هذا المقال، نوضح المنهج الشرعي الصحيح للدعاء بالزواج، ونستعرض الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، مع بيان حكم الصيغ المنتشرة بين الناس.
المنهج الشرعي في الدعاء بالزواج: سؤال الله الخَيْر
الأصل في دعاء المسلم أن يسأل الله تعالى الخير حيث كان، وأن يفوض الأمر إليه سبحانه، فهو العليم بما يصلح حال عبده في دينه ودنياه، عند الدعاء بالزواج، سواء من شخص معين أو بطلب الزوج الصالح عمومًا، من المهم أن يُقرن الدعاء بطلب الخيرة من الله، فإن كان في هذا الأمر خير فييسره الله، وإن كان فيه شر فيصرفه الله ويقدر الخير لعبده.
أدعية مأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية
إن خير ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة مباركة، وفيها غنية وكفاية، ومن الأدعية التي تناسب هذا المقام:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(سورة البقرة، الآية 201)، والزوجة الصالحة من أعظم حسنات الدنيا.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام: دعا به عندما كان وحيدًا فقيرًا، فجمع الله له به الأمن والرزق والزوجة الصالحة.
“رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”
(سورة القصص، الآية 24).
- دعاء نبوي جامع: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به طالبًا من الله أسباب الصلاح والفلاح.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”
(رواه مسلم، حديث صحيح).
صيغ شائعة للدعاء بالزواج من شخص معين
يتداول بعض الناس صيغًا معينة للدعاء بتيسير الزواج، وهي وإن كانت حسنة في معناها العام، إلا أنها لم ترد في مصادر التشريع المعتبرة، نورد هنا بعض الأمثلة منها للعلم بها:
- اللَّهُمَّ في هذه الليلة المباركة، إن كان زواجي من (فلان/فلانة) خيرًا لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه.
- يا رب، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تجمع بيني وبين (فلان/فلانة) على ما تحب وترضى، وأن تجعله قرة عين لي واجعلني قرة عين له.
- اللَّهُمَّ يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، اجمع بيني وبين من أحب بالحلال، وبارك لنا في حياتنا، واجعلنا لك كما تحب يا رب العالمين.
- يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، وإن كان في زواجي من (فلان/فلانة) خير، فليِّن قلبه لي، واجمعنا على طاعتك.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشرع، ولكن الأفضل والأكمل هو لزوم المأثور.
ما حكم الدعاء بالزواج من شخص معين؟
لا حرج شرعًا في أن يدعو المسلم أو المسلمة ربه أن يزوجه من شخص معين، بشرط أن يعلّق الدعاء على الخير، فيقول: “اللهم إن كان فلان خيرًا لي في ديني ودنياي فزوّجنيه”، وذلك لأن الإنسان لا يعلم عواقب الأمور، وقد يكون الخير في غير ما يتمنى، فالتفويض إلى علم الله وحكمته هو كمال العبودية وحسن الظن بالله تعالى.
شروط قبول الدعاء وآدابه
لكي يكون الدعاء أرجى للقبول، ينبغي للمسلم أن يلتزم بآداب الدعاء وشروطه، خاصة في الأوقات المباركة مثل ليلة القدر، ومن أهم هذه الشروط:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو العبد وهو موقن بأن الله سيستجيب له، كما قال النبي ﷺ:
“ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ”
(رواه الترمذي، حديث حسن).
- حضور القلب: التضرع والخشوع أثناء الدعاء، وتجنب الدعاء بقلب غافلٍ لاهٍ.
- أكل الحلال: تحري الرزق الحلال، فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
- عدم الاستعجال: الصبر وعدم استعجال الإجابة، فالله سبحانه يجيب دعوة عبده ما لم يعجل، وقد يؤخر الإجابة لحكمة أو يدفع بها عنه سوءًا أو يدخرها له في الآخرة.
أفضل أوقات الدعاء في ليلة القدر
ليلة القدر كلها وقت للدعاء والعبادة، ولكن هناك أوقات تكون فيها الإجابة أرجى من غيرها، ويستحب للمسلم تحريها واغتنامها، ومنها:
- في جوف الليل الآخر: الثلث الأخير من الليل هو وقت النزول الإلهي، وهو من أفضل أوقات الدعاء.
- أثناء السجود: فـ “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم).
- بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يُرد كما ورد في الحديث الصحيح.
- عند الإفطار من الصيام: للصائم عند فطره دعوة لا تُرد.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة القصص، الآية 24.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2721، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3479، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يجوز أن أذكر اسم شخص معين في دعائي للزواج؟
نعم، يجوز ذلك، ولكن الأكمل والأفضل أن تقرن الدعاء بطلب الخيرة من الله، كأن تقول: “اللهم إن كان في زواجي من فلان خير لي في ديني ودنياي فيسره لي، وإن كان فيه شر فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان”.
ما هو أفضل دعاء لتيسير الزواج؟
أفضل الأدعية هي الأدعية الجامعة والمأثورة من القرآن والسنة، مثل دعاء:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
، ودعاء:
“رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”
، فهذه الأدعية شاملة ومباركة وتتضمن طلب كل خير، والزواج الصالح من أعظم الخير.
ماذا أفعل إذا دعوت ولم يستجب لي؟
على المسلم أن يحسن الظن بربه، فالله لا يرد دعاء عبده أبدًا، فإما أن يستجيب له في الدنيا، أو يصرف عنه من السوء بمثلها، أو يدخرها له أجرًا وثوابًا في الآخرة، استمر في الدعاء بيقين وصبر، فالدعاء بحد ذاته عبادة عظيمة تؤجر عليها.
