يُعد سجود التلاوة من العبادات الجليلة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى عند قراءة آيات معينة في القرآن الكريم، وهو مظهر من مظاهر الخضوع والتعظيم لكلام الله، والاستجابة لأمره، في هذا الدليل الشامل، نستعرض الأدعية الصحيحة الواردة في السنة النبوية، وأهم الأحكام الفقهية المتعلقة بسجود التلاوة، ليكون المسلم على بصيرة من أمره في هذه العبادة المباركة.

الأدعية الصحيحة الثابتة في سجود التلاوة

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية مخصوصة يُستحب قولها في سجود التلاوة، وهي تعبر عن عمق التذلل والافتقار إلى الله عز وجل، من هذه الأدعية الموثوقة:

1، الدعاء الوارد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل:

سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ.

المصدر: سنن الترمذي، وصححه الألباني، وهو دعاء عظيم يتضمن إقرار العبد بقدرة الله المطلقة في خلقه وتكوينه.

2، الدعاء الوارد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقول:

اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.

المصدر: صحيح مسلم، وفيه إعلان بالتوحيد والإيمان، والاعتراف بأن الله هو أحسن الخالقين.

3، الدعاء الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدتُ، فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول:

اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ.

قال ابن عباس: فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد، فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة.

المصدر: سنن الترمذي، وحسّنه الألباني، وهذا الدعاء يجمع بين طلب الأجر، ومحو الوزر، وقبول العمل.

فائدة: يُشرع للمسلم أيضاً أن يقول في سجود التلاوة ما يقوله في سجود الصلاة، مثل: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى”، فالمقام مقام خضوع وتسبيح لله تعالى.

ما هو سجود التلاوة وأهميته؟

سجود التلاوة هو سجدة واحدة يؤديها المسلم عند قراءة أو سماع آية من آيات السجود الخمس عشرة الواردة في القرآن الكريم، وهو تعبير عن تعظيم كلام الله، والامتثال لأمره، والتشبه بالأنبياء والصالحين الذين وصفهم الله بقوله:

“إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا” [مريم: 58]

.

تكمن أهميته في كونه عبادة مستقلة تُظهر خضوع العبد لربه، وتزيد من صلته بكتاب الله، وفيها أجر عظيم وثواب جزيل لمن يحرص عليها بإخلاص ومتابعة للسنة.

أبرز الأحكام الفقهية المتعلقة بسجود التلاوة

لتأدية هذه العبادة على الوجه الصحيح، من المهم معرفة أبرز أحكامها الشرعية المستندة إلى الأدلة من الكتاب والسنة.

• حكم سجود التلاوة: هو سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء وليس بواجب، يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، يستدل على ذلك بما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: “يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه”، ولم يسجد عمر رضي الله عنه، (صحيح البخاري).
• اشتراط الطهارة (الوضوء): اختلف العلماء في هذه المسألة، الجمهور على اشتراط الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة، لأنهم يعتبرونها صلاة، وذهب بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى عدم اشتراط الطهارة، لأنها ليست صلاة كاملة، ولم يرد دليل صريح يشترط لها ذلك، والأحوط والأفضل للمسلم أن يكون على طهارة عند السجود خروجاً من الخلاف.
• كيفية الأداء: إذا كان القارئ في الصلاة، فإنه يُكبِّر ويهوي ساجداً مباشرة عند الانتهاء من آية السجدة، ثم يكبر ويرفع من السجود ليواصل قراءته وصلاته، أما إذا كان خارج الصلاة، فيكبر ويسجد سجدة واحدة، ثم يرفع رأسه دون تكبير أو تسليم.

أحكام سجود التلاوة الخاصة بالنساء

تنطبق على المرأة الأحكام العامة لسجود التلاوة، مع بعض التفصيلات الخاصة بحالها:

• سجود الحائض والنفساء: هذه المسألة مبنية على الخلاف في جواز قراءة الحائض للقرآن، من أجاز لها القراءة (وهو قول قوي)، أجاز لها سجود التلاوة تبعاً لذلك، لأنه ليس صلاة، ومن منعها من القراءة منعها من السجود.
• ستر العورة (الحجاب): مبني أيضاً على الخلاف في هل السجود صلاة أم لا، الأحوط والأكمل للمرأة أن تستر عورتها كما في الصلاة عند سجود التلاوة، تعظيماً للشعيرة، وإن سجدت دون حجاب كامل (كأن تكون في بيتها تقرأ القرآن) فالأرجح صحة سجودها.

مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم

يبلغ عدد مواضع السجود في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً باتفاق العلماء، وهي كالتالي:

1. سورة الأعراف، الآية 206:
   

   “إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ”

   .

2. سورة الرعد، الآية 15:
   

   “وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ”

   .

3. سورة النحل، الآية 49-50:
   

   “وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”

   .

4. سورة الإسراء، الآية 107-109:
   

   “…إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا”

   .

5. سورة مريم، الآية 58:
   

   “…إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا”

   .

6. سورة الحج، الآية 18:
   

   “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ…”

   .

7. سورة الحج، الآية 77:
   

   “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

   .

8. سورة الفرقان، الآية 60:
   

   “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا”

   .

9. سورة النمل، الآية 25-26:
   

   “أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّmَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…”

   .

10. سورة السجدة، الآية 15:
    

    “إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ”

    .

11. سورة ص، الآية 24:
    

    “…وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ”

    .

12. سورة فصلت، الآية 37-38:
    

    “…لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”

    .

13. سورة النجم، الآية 62:
    

    “فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا”

    .

14. سورة الانشقاق، الآية 21:
    

    “وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ”

    .

15. سورة العلق، الآية 19:
    

    “كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب”

    .

الفرق بين سجود التلاوة وسجود الشكر وسجود السهو

من المهم التمييز بين أنواع السجود المختلفة في الشريعة الإسلامية، فلكل منها سبب وحكم خاص به:

• سجود التلاوة: سببه قراءة أو سماع آية من آيات السجود، وهو سنة مؤكدة.
• سجود الشكر: سببه تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، كبشارة سارة أو نجاة من خطر، وهو مستحب ويُشرع أداؤه على أي حال، ولا يُشترط له طهارة على القول الراجح.
• سجود السهو: سببه حدوث خطأ في الصلاة (زيادة، أو نقص، أو شك)، وهو واجب لجبر الخلل في الصلاة، ويُؤدى سجدتين قبل التسليم أو بعده حسب الحالة، وهو جزء لا يتجزأ من الصلاة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة (FAQs)

ما حكم سجود التلاوة؟

سجود التلاوة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وليس بواجب، من فعله أُجر ومن تركه لا إثم عليه، والأفضل والأكمل هو المواظبة عليه.

هل يشترط الوضوء لسجود التلاوة؟

هناك خلاف بين العلماء، جمهور الفقهاء يشترطون الطهارة (الوضوء)، وذهب آخرون إلى عدم اشتراطها لأنه ليس صلاة، والأحوط للمسلم أن يكون متوضئاً عند السجود.

ماذا أفعل إذا كنت أستمع للقرآن ومرّ القارئ بآية سجدة؟

يُسن للمستمع أن يسجد أيضاً إذا سجد القارئ، لأن الحكم يشمل القارئ والمستمع على حد سواء.

هل يمكن قضاء سجود التلاوة إذا فاتني؟

سجود التلاوة عبادة مرتبطة بسببها (تلاوة الآية)، فإذا فات محلها لا تُقضى على القول الراجح، لأنها ليست صلاة مفروضة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر