مع حلول ليالي رمضان المباركة، تبدأ رحلة المؤمن الروحانية بالتقرب إلى الله تعالى، خاصة في وقت السحور الذي يمثل انطلاقة يوم جديد من الطاعة، ويُعد هذا الوقت من أفضل الأوقات للدعاء، حيث يتضرع العبد إلى ربه طالبًا المغفرة والرحمة والبركة، راجيًا نيل رضوانه.
إن وقت السحور يوافق الثلث الأخير من الليل، وهو وقت مبارك تتنزل فيه الرحمات وتُستجاب فيه الدعوات، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أدعية ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، كافية وشافية، ومن هذه الأدعية التي يُستحب الإكثار منها في كل وقت، وخاصة في أوقات الإجابة كوقت السحر:
1، سيد الاستغفار
وهو أفضل صيغ الاستغفار، فمن قاله موقنًا به في النهار فمات دخل الجنة، ومن قاله في الليل فمات دخل الجنة.
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306 (حديث صحيح).
2، دعاء لطلب خيرَي الدنيا والآخرة
من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء جامع من القرآن الكريم.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
3، دعاء الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة
أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يدعو بهذا الدعاء في صلاته، وهو مناسب لكل وقت.
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 834 (حديث صحيح).
4، دعاء الثناء على الله
هذا الدعاء من صيغ الحمد والثناء العظيمة على الله تعالى، ويُقال في الصلاة بعد الرفع من الركوع، ويُشرع الدعاء به في كل وقت.
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 476 (حديث صحيح).
أدعية عامة جامعة يمكن الدعاء بها وقت السحور
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ الدعاء التي تحمل معاني طيبة ولا تخالف الشرع، وإن لم تكن مأثورة بلفظها، وهذه أمثلة على أدعية عامة يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، فَتَقَبَّلْ مِنِّي صِيَامِي وَقِيَامِي، وَاغْفِرْ لِي زَلَّاتِي، إِنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ تُعِينُهُمْ عَلَى أُمُورِ دِينِهِمْ، وَتُقَوِّيهِمْ عَلَى طَاعَتِكَ، وَتُيَسِّرُ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَتَجْعَلُ قُلُوبَهُمْ مُمْتَلِئَةً بِالْيَقِينِ بِأَنَّكَ خَيْرُ مُدَبِّرٍ.
- يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ الْمُبَارَكَةِ أَنْ تَمْنَحَنِي إِيمَانًا يَمْلَأُ قَلْبِي طُمَأْنِينَةً، وَيَقِينًا يَجْعَلُنِي أُدْرِكُ أَنَّ مَا قَسَمْتَهُ لِي هُوَ الْخَيْرُ، وَأَنْ تُرَضِّيَنِي بِمَا كَتَبْتَهُ لِي، فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَسْتَجِيبَ دُعَائِي، وَتَقْضِيَ حَاجَتِي، وَتُفَرِّجَ هَمِّي، وَتُيَسِّرَ أَمْرِي.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةً، وَوَسِّعْ لِي فِي رِزْقِي، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ أَحْتَسِبُ وَمِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.
صيغ منتشرة لم يثبت سندها
قد تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية المنسوبة لبعض الصالحين أو التي يُذكر لها فضل معين، ولكنها لم تثبت بسند صحيح، من أمثلة ذلك الدعاء التالي:
- “يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ، يَا فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي قَدَرْتَ بِهَا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي…”.
تنبيه هام: هذه الصيغة وما ورد في فضلها تُنسب للحسن البصري وغيره، ولكنها لم تثبت بسند صحيح، والدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة لمن لزمها.
ما هو الدعاء الذي يقال عند السحور؟
لم يرد في السنة النبوية المطهرة دعاءٌ مخصوصٌ يُقال عند تناول طعام السحور، ولكن، وقت السحور هو جزء من الثلث الأخير من الليل، وهو من أفضل أوقات الدعاء وأقربها للإجابة.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1145 (حديث صحيح).
لذا، يُستحب للمسلم أن يغتنم هذا الوقت المبارك فيسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، كطلب المغفرة، والرزق الحلال، وصلاح الأبناء، ورفع البلاء، وأن يدعو بما شاء من الأدعية الطيبة بقلب حاضر ونية صادقة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306 (سيد الاستغفار)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 834 (دعاء في الصلاة)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 476 (دعاء الثناء)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1145 (حديث النزول الإلهي)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت للدعاء في رمضان؟
شهر رمضان كله وقت مبارك للدعاء، ومن أرجى الأوقات للإجابة: الثلث الأخير من الليل (وقت السحر)، وعند الإفطار، وفي أوقات السجود أثناء الصلاة، وفي ليلة القدر.
هل هناك دعاء محدد عند نية الصيام في السحور؟
النية محلها القلب، ولا يُشرع التلفظ بها، ولم يرد دعاء مخصص عند عقد نية الصيام، يكفي أن ينوي المسلم بقلبه صيام اليوم التالي من رمضان.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الأفضل والأسلم هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهي التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
 
		

