يُعد وقت السَّحور من الأوقات المباركة في شهر رمضان، حيث تتجلى النفحات الإيمانية والروحانية التي تملأ القلوب خشوعاً وتقرباً إلى الله عز وجل، إنها فرصة عظيمة للمناجاة والدعاء، خاصة مع بداية الشهر الكريم، حيث يجتمع فضل الزمان مع شرف العبادة، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الوقت، فقال:
“تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً”
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم)
والبركة هنا تشمل الجانبين الدنيوي، بتقوية البدن على الصيام، والأخروي، بإدراك وقت استجابة الدعاء والذكر والاستغفار.
الأذكار والأدعية المشروعة في وقت السَّحور
لم يرد في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص يُقال عند السَّحور بلفظ معين، ولكن هذا الوقت هو من أفضل أوقات الدعاء والاستغفار، حيث يتنزل المولى عز وجل إلى السماء الدنيا، ومن أفضل ما يفعله المسلم في هذا الوقت:
- الإكثار من الاستغفار: فالله تعالى أثنى على عباده المستغفرين في هذا الوقت فقال:
“وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ”
(سورة آل عمران، الآية: 17)
فمن أفضل الصيغ قول: “أستغفر الله”، “ربِّ اغفر لي”، أو سيد الاستغفار.
- التسمية عند بدء الطعام: أن يقول “بسم الله” قبل تناول السَّحور.
- الحمد بعد الانتهاء: أن يقول “الحمد لله” بعد الفراغ من الطعام.
- الدعاء العام بخيري الدنيا والآخرة: للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الجامعة، حيث إنه من أوقات إجابة الدعاء.
أمثلة على أدعية عامة يمكن الدعاء بها وقت السَّحور
هذه مجموعة من الأدعية العامة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في وقت السَّحور المبارك، سائلاً الله من فضله العظيم:
- اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَتَقَبَّلْهُ مِنَّا، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ.
- يَا رَبِّ، نَسْأَلُكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُبَارَكِ بَرَكَةً فِي صِحَّتِنَا وَأَعْمَارِنَا وَأَرْزَاقِنَا، وَاغْمُرْنَا بِكَرَمِكَ وَعَطَائِكَ.
- يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ وَيَخْشَعُونَ لَكَ فِي لَحَظَاتِ السَّحَرِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا خَالِصًا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةً.
- يَا مَنْ بِيَدِهِ الْفَضْلُ، اكْتُبْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ تُعْتِقُ رِقَابَهُمْ مِنَ النَّارِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
- اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً فِي طَاعَتِكَ وَعَافِيَةٍ مِنْكَ.
نية الصيام في رمضان: الحكم والكيفية الصحيحة
النية شرط أساسي لصحة الصيام، وهي عزم القلب على أداء هذه العبادة طاعةً لله تعالى وامتثالاً لأمره، ومحل النية هو القلب، ولا يُشترط التلفظ بها باللسان، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
ويجب عقد النية لكل يوم من أيام رمضان قبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ”
(رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني)
فيكفي أن يعزم المسلم بقلبه في أي جزء من الليل قبل الفجر أنه سيصوم غداً من رمضان.
صيغ شائعة تُنسب لنية الصيام
يتداول بعض الناس صيغاً وأدعية للتلفظ بنية الصيام، ومنها على سبيل المثال:
- اللّهُمَّ إني نَوَيْتُ أن أصوم رمضان كاملاً لوجهكَ الكريم إيماناً واحتساباً.
- اللّهُمَّ اجعل صيامي مقبولاً لديك، واجعلني ممن فاز برضاك وثوابك.
- نويت صيام غدٍ من شهر رمضان.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والنية عمل قلبي، والأصل فيهما الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، والتلفظ بالنية لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما محلها القلب.
شروط صحة وقبول الصيام في شهر رمضان
لضمان صحة الصيام وقبوله عند الله تعالى، يجب على المسلم تحقيق عدة شروط أساسية، وهي من أركان هذه العبادة العظيمة:
- الإسلام: فلا يصح الصيام من غير المسلم.
- العقل: فلا يجب الصيام على المجنون أو فاقد العقل.
- البلوغ: الصيام غير واجب على من لم يبلغ سن التكليف الشرعي، وإن كان يُؤمر به ليعتاده.
- النية: وهي عزم القلب على الصيام من الليل قبل طلوع الفجر، كما سبق بيانه.
- القدرة على الصيام: فلا يجب الصيام على المريض الذي يضره الصوم، أو المسافر الذي يشق عليه، ولهما رخصة الإفطار مع القضاء أو الفدية حسب الحالة.
- الطهارة من الحيض والنفاس: فلا يصح الصيام من المرأة الحائض أو النفساء، ويجب عليهما قضاء الأيام التي أفطرتاها.
- الإمساك عن المفطرات: وهو الامتناع الكامل عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
ومن تمام الصيام وآدابه حفظ الجوارح عن المعاصي، كحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وحفظ البصر عن النظر إلى الحرام، فإن هذه الأمور وإن لم تبطل الصيام، إلا أنها تنقص من أجره وثوابه.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 17.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم، حديث “تسحروا فإن في السحور بركة”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي والنسائي، حديث “من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو الدعاء الصحيح الذي يقال عند السحور؟
لم يثبت دعاء محدد بصيغة معينة للسحور في السنة النبوية الصحيحة، والمشروع هو التسمية عند البدء، والحمد عند الانتهاء، والإكثار من الاستغفار والدعاء العام بخيري الدنيا والآخرة، لأن وقت السحر من أوقات إجابة الدعاء.
كيف تكون نية الصيام الصحيحة في رمضان؟
النية الصحيحة تكون بعزم القلب على صيام اليوم التالي من رمضان قبل طلوع الفجر، ولا يشترط التلفظ بها باللسان، فمجرد قيامك للسحور بنية الصيام يعتبر نية كافية.
هل يجوز الدعاء بالصيغ المنتشرة لنية الصيام؟
الأفضل هو الالتزام بالسنة النبوية، وهي أن النية محلها القلب، أما استخدام هذه الصيغ كدعاء عام بأن يتقبل الله الصيام فلا حرج فيه، ولكن لا ينبغي اعتقاد أنها صيغة نبوية مشروعة ومخصصة للتلفظ بالنية.
