يُعَدُّ وقت السَّحَر، وهو الثلث الأخير من الليل قبيل الفجر، من أوقات النفحات والبركات العظيمة، خاصة في شهر رمضان المبارك، إنه وقت مبارك يتجلى فيه القرب من الله تعالى، حيث يصفو القلب وتخشع النفس، وهو من أفضل الأوقات للدعاء والذكر والاستغفار، إذ أثنى الله عز وجل على المستغفرين في هذا الوقت فقال:
“وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” [آل عمران: 17].
كما أن هذا الوقت هو وقت النزول الإلهي الذي يليق بجلاله، مما يجعله فرصة عظيمة لإجابة الدعاء وقبول التوبة، كما ثبت في الحديث الصحيح.
أدعية وأذكار صحيحة من القرآن والسنة لوقت السحر
الأصل في الدعاء أن يلتزم المسلم بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة، وفيما يلي بعض الأدعية والأذكار الصحيحة التي يُستحب الإكثار منها في وقت السحر:
1، سيد الاستغفار
وهو أفضل صيغ الاستغفار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويُستحب ترديده في كل وقت، وخاصة في أوقات الإجابة كوقت السحر.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306.
2، دعاء نبي الله يونس عليه السلام
وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، ولم يدع به مسلم في شيء إلا استجاب الله له.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
3، أدعية جامعة من القرآن الكريم
يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية القرآنية التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.
-
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
-
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].
.
4، الدعاء العام بخيري الدنيا والآخرة
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية التي فيها صلاح دينه ودنياه وآخرته، وأن يسأل الله من فضله العظيم، فالدعاء بابه واسع ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم.
أمثلة على أدعية عامة وصيغ منتشرة
يتداول الناس بعض الصيغ الدعائية العامة، ومنها ما يُنسب لكتب معينة مثل كتاب “مفاتيح الجنان” للشيخ عباس القمي، وهي أدعية حسنة المعنى يمكن الدعاء بها على وجه العموم، نذكر هنا بعض الأمثلة من باب الاستئناس:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهَائِكَ بِأَبْهَاهُ وَكُلُّ بَهَائِكَ بَهِيٌّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِبَهَائِكَ كُلِّهِ.
- يَا رَبِّ، وَفِّقْنِي فِيهِ لِمُوَافَقَةِ الْأَبْرَارِ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ مُرَافَقَةَ الْأَشْرَارِ، وَآوِنِي فِيهِ بِرَحْمَتِكَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ، بِإِلَهِيَّتِكَ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ قَوِّنِي فِيهِ عَلَى إِقَامَةِ أَمْرِكَ، وَأَذِقْنِي فِيهِ حَلَاوَةَ ذِكْرِكَ، وَأَوْزِعْنِي فِيهِ لِأَدَاءِ شُكْرِكَ بِكَرَمِكَ، وَاحْفَظْنِي فِيهِ بِحِفْظِكَ وَسِتْرِكَ، يَا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ.
- يَا رَبِّ، اجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْقَانِتِينَ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُقَرَّبِينَ، بِرَأْفَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تنبيه هام بخصوص هذه الصيغ
إخلاء مسؤولية: هذه الصيغ وغيرها مما ينتشر بين الناس أو يُذكر في بعض الكتب، هي أدعية لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بأدعية حسنة المعنى لم ترد، بشرط ألا تُنسب إلى الشرع أو يُعتقد لها فضل خاص لم يرد به دليل.
أفضل الأعمال المستحبة في وقت السحر
وقت السحر فرصة ثمينة للتقرب إلى الله تعالى بمختلف الطاعات، ومن أبرز الأعمال المستحبة في هذا الوقت:
- تناول السَّحور: فهو ليس مجرد وجبة، بل هو عبادة وسنة نبوية فيها بركة عظيمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
- الدعاء والتضرع: لأنه من أوقات إجابة الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”
المصدر: متفق عليه.
- الإكثار من الاستغفار: اقتداءً بثناء الله على عباده الصالحين الذين يستغفرون بالأسحار.
- قيام الليل (صلاة التهجد): ولو بركعتين خفيفتين، فهي شرف المؤمن وسبيل القرب من الرحمن.
- تلاوة القرآن الكريم: فالتلاوة في هذا الوقت أَدعى للخشوع والتدبر، خاصة في شهر القرآن.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 17.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306، وحديث رقم 1145، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 758، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
- هل هناك دعاء مخصص يُقال عند السحور؟
- لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص بصيغة معينة لوقت السحور، ولكن الوقت نفسه مبارك، ويُستحب فيه الإكثار من الدعاء العام، والذكر، والاستغفار بشكل خاص.
- ما هو أفضل ما يمكن قوله في وقت السحر؟
- أفضل ما يُقال في هذا الوقت هو الاستغفار، تأسياً بالآية الكريمة “والمستغفرين بالأسحار”، ثم الدعاء بما ورد في القرآن والسنة مثل “سيد الاستغفار” والأدعية الجامعة، وسؤال الله من خيري الدنيا والآخرة.
- هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
- نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية التي تحمل معاني طيبة وصحيحة، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء أو إثماً، وبشرط ألا يعتقد أن لهذه الصيغة فضلاً خاصاً أو أنها من السنة النبوية.

