يَحمل وقت السَّحور في رمضان مكانة عظيمة، فهو وقت مبارك يجمع بين سُنّة نبوية وفضل إلهي، ففي الثلث الأخير من الليل، وهو وقت السَّحَر، يتجلّى القرب من الله تعالى، وتُفتح أبواب السماء للدعاء والاستغفار، مما يملأ قلب الصائم بالطمأنينة والرجاء، ويُعينه على بدء يومه بنفحات إيمانية مباركة.
أدعية السحور الثابتة في السنة النبوية
الأصل في العبادات هو الاتباع، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم سنن وأدعية تتعلق بآداب الطعام والشراب عموماً، وهي التي تُقال عند السحور.
1، التسمية قبل البدء
من أهم الآداب التي حث عليها النبي ﷺ هي ذكر اسم الله في أول الطعام، فإن نسي المسلم، فله ذكرٌ آخر يتدارك به الأمر.
“إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1858 (حديث حسن صحيح).
2، الدعاء عند شرب اللبن
كان النبي ﷺ يخصُّ اللبن بدعاء فيه طلب للزيادة، وهو مناسب جداً لوجبة السحور لما فيه من فوائد.
“مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3455 (حديث حسن).
3، الدعاء بعد الفراغ من الطعام
يُستحب للمسلم بعد الانتهاء من تناول طعامه أن يحمد الله ويثني عليه، فهذا من أسباب مغفرة الذنوب ورضا الرحمن.
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ”.
وجاء في فضل هذا الدعاء أن من قاله “غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3458 (حديث حسن).
وهناك صيغة أخرى للحمد بعد الطعام، وهي:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5458.
فضل الدعاء في وقت السَّحَر
إن أعظم ما يميز وقت السحور ليس الطعام بحد ذاته، بل لأنه يوافق الثلث الأخير من الليل، وهو وقت مبارك يتنزّل فيه المولى عز وجل إلى السماء الدنيا، مما يجعله من أرجى أوقات إجابة الدعاء.
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1145؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 758.
لذا، يُستحب للمسلم أن يغتنم هذا الوقت الثمين في الدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.
أدعية عامة يُستحب الإكثار منها وقت السحور
بناءً على فضل وقت السَّحَر، يمكن للمسلم أن يدعو بما فتح الله عليه من الأدعية الجامعة، وهذه بعض الأمثلة للأدعية المأثورة والعامة التي يُحسن الدعاء بها في هذا الوقت المبارك:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ. (من دعاء النبي ﷺ في سجوده، وهو مناسب لهذا الوقت).
- اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ..
- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
“وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي.
- يا رب، في هذه الساعة المباركة أسألك إيمانًا يُطمئن قلبي، ويقينًا بأن ما كُتب لي هو الخير كلّه، وأدعوك أن ترزقني الرضا بما قسمت لي يا أرحم الراحمين.
- اللهم قوِّني بديني، وأعنِّي على قضاء دَيني، واجعل يقيني بك حصنًا يحفظني، وإيماني بك نوراً يهديني، ورجائي فيك أمنًا لي من كل سوء.
نية صيام شهر رمضان المبارك
النية شرط أساسي لصحة الصيام، ومحلها القلب، ومعناها أن يعقد المسلم العزم في قلبه على صيام اليوم التالي من رمضان تقربًا إلى الله تعالى، ولا يُشترط التلفظ بها، فمجرد قيام الشخص للسحور بنية الصيام يُعد نية كافية.
صيغ منتشرة للتلفظ بالنية
يتداول بعض الناس صيغاً لفظية للنية، مثل:
- “اللهم إنِّي نَويتُ أن أصُومَ غدًا من شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا، فتقبله مِنِّي يا كريم.”.
- “نويت صيام يوم غد من شهر رمضان لله تعالى.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما استأنس به بعض الفقهاء لمساعدة الشخص على استحضار النية في قلبه، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، والأصل أن النية عمل قلبي، والالتزام بما ورد في السنة كافٍ ومبارك.
فضل السحور كما ورد في السنة النبوية
أكدت الأحاديث النبوية الشريفة على فضل السحور وأهميته، فهو ليس مجرد وجبة، بل هو عبادة وسُنّة مباركة فيها خير كثير للصائم.
- السحور بركة: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1923.
- مخالفة أهل الكتاب: السحور هو ما يميز صيام المسلمين عن غيرهم، قال رسول الله ﷺ:
“فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1096.
- صلاة الله وملائكته على المتسحرين: من أعظم فضائل السحور أن الله وملائكته يصلون على من يتسحرون، قال النبي ﷺ:
“إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ”.
المصدر: مسند أحمد، حديث رقم 11086 (حديث حسن).
أهمية السحور للصائم
إلى جانب الفضل الشرعي، للسحور فوائد عملية وجسدية تعين الصائم على عبادته:
- إعانة على الطاعة: يمنح السحور الجسم القوة والنشاط اللازمين لأداء العبادات والفرائض خلال النهار دون الشعور بالتعب والإعياء الشديد.
- تخفيف المشقة: يساهم في تقليل الشعور بالجوع والعطش أثناء ساعات الصيام الطويلة.
- تحقيق الاقتداء: تناول السحور هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل اتباع أجر وثواب.
- استغلال الوقت المبارك: يوقظ المسلم في أفضل أوقات الليل، مما يتيح له فرصة الصلاة والدعاء والاستغفار قبل أذان الفجر.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم: 1145, 1923, 5458، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم: 758, 1096، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، أحاديث رقم: 1858, 3455, 3458، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 11086، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة حول السحور والدعاء
ما حكم تناول السحور في رمضان؟
تناول السحور سُنّة مؤكدة ومستحبة، وليس بواجب، من تركه فصيامه صحيح، ولكنه فوّت على نفسه خيرًا وبركةً عظيمة حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
هل هناك دعاء محدد يجب قوله لنَيَّة الصيام؟
لا يوجد دعاء محدد وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لنَيَّة الصيام، النية محلها القلب، وعزمك على الصيام عند استيقاظك للسحور هو نية كافية بإذن الله.
ما هو أفضل ما يقال في وقت السحور؟
أفضل ما يُقال في وقت السحور هو الاستغفار والدعاء، قال تعالى في وصف المتقين: “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18]، فاجعل هذا الوقت فرصة للتضرع إلى الله بما تشاء من أمور دينك ودنياك، مع الالتزام بآداب الطعام من التسمية والحمد.



