مع مطلع كل عام هجري جديد، يقف المسلم وقفة تأمل وتفكّر، مستلهمًا من ذكرى الهجرة النبوية الشريفة أعظم معاني الصبر، واليقين، والتوكل على الله، فالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لم تكن مجرد انتقالٍ مكاني، بل كانت حدثًا مفصليًا أسس لقيام دولة الإسلام، ورسّخ مبادئ التضحية والإخاء، وفي هذه المناسبة، يجد المسلم فرصة لتجديد العهد مع الله، ومراجعة النفس، والإكثار من الدعاء الصادق، راجيًا أن يكون العام الجديد بداية جديدة ملؤها الخير والبركة والطاعة.

أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة
الأصل في الدعاء أن يكون بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الأجمع لخيري الدنيا والآخرة، ويمكن للمسلم أن يدعو بهذه الأدعية المباركة في كل وقت وحين، بما في ذلك عند بداية العام الجديد، راجيًا من الله القبول والبركة.
أدعية من القرآن الكريم:
- الدعاء بخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
- دعاء الثبات وطلب الرحمة:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].
.
- دعاء صلاح النفس والذرية:
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [الأحقاف: 15].
.
- دعاء المغفرة للوالدين والمؤمنين:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” [نوح: 28].
.
أدعية من السنة النبوية الصحيحة:
- الدعاء بصلاح الأمور كلها:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
- سيد الاستغفار:
“اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ”.
(المصدر: صحيح البخاري).

صيغ وأدعية شائعة لاستقبال العام الهجري
يتداول بعض الناس صيغًا معينة للدعاء في بداية العام الهجري، ورغم أن هذه الأدعية لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تشتمل على معانٍ طيبة، فيمكن الدعاء بها وبغيرها من الأدعية العامة التي لا تخالف الشرع، على ألا يُعتقد أن لها فضلًا خاصًا أو أنها سنة متبعة.
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِدَايَةَ هَذَا العَامِ الجَدِيدِ فَاتِحَةً لِكُلِّ خَيْرٍ، وَاغْمُرْنَا فِيهِ مِنْ عَطْفِكَ وَجُودِكَ مَا يُنْسِي قُلُوبَنَا مَرَارَةَ مَا مَضَى، وَأَلْهِمْنَا الرِّضَا بِمَا كَتَبْتَ لَنَا”.
- “يَا رَبِّ، فِي هَذَا العَامِ الجَدِيدِ نَسْأَلُكَ حِفْظًا لَا يُفَارِقُنَا، وَسَكِينَةً تَطْمَئِنُّ بِهَا أَرْوَاحُنَا، وَفَرَجًا تُبَدِّدُ بِهِ كُلَّ ضِيقٍ، وَأَمَلًا يُحْيِي فِينَا كُلَّ مَا مَاتَ”.
- “اللَّهُمَّ اخْتِمْ لَنَا هَذِهِ السَّنَةَ بِمَغْفِرَةٍ شَامِلَةٍ، وَاجْعَلْ بِدَايَاتِ العَامِ الجَدِيدِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ، وَاجْعَلِ الأَيَّامَ القَادِمَةَ مَلِيئَةً بِالسَّكِينَةِ وَالرِّضَا”.
- “اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَيَا مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سَنَةَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ عَلَى المُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ”.
تنبيه هام وحكم تخصيص العام الهجري بدعاء معين
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
لم يرد في السنة النبوية المطهرة ما يدل على تخصيص بداية العام الهجري بعبادة معينة كالدعاء أو الذكر أو الصيام، والخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، فالدعاء مشروع في كل وقت، ويجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من خيري الدنيا والآخرة في أي وقت شاء، دون أن يعتقد أن لهذا الوقت فضلًا خاصًا لم يرد به دليل شرعي.

أدعية قرآنية قصيرة مناسبة لكل وقت
هذه مجموعة من الأدعية القرآنية القصيرة التي يسهل حفظها وترديدها في كل حين، وهي تحمل معاني عظيمة وجامعة.
-
“رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا” [البقرة: 286].
شرح موجز: دعاء عظيم يتضمن طلب العفو والمغفرة والرحمة ورفع المشقة التي لا تُحتمل.
-
“رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” [إبراهيم: 40].
شرح موجز: طلب العون من الله للمحافظة على الصلاة، وصلاح الذرية، وقبول الدعاء.
-
“رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” [الممتحنة: 4].
شرح موجز: إعلان الاعتماد الكامل على الله، والرجوع إليه في كل الأمور، والإقرار بأن المرجع إليه وحده.
-
“رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” [الممتحنة: 5].
شرح موجز: دعاء بطلب الحماية من أن يكون المؤمن سببًا في فتنة الكافرين أو تسلطهم، مع طلب المغفرة.

المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- سورة نوح، الآية 28.
- سورة البقرة، الآية 286.
- سورة إبراهيم، الآية 40.
- سورة الممتحنة، الآية 4.
- سورة الممتحنة، الآية 5.
- صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل ورد دعاء مخصص لبداية العام الهجري في السنة النبوية؟
لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام دعاء مخصص يُقال عند بداية العام الهجري، والأولى هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة التي تُقال في كل وقت.
ما هو أفضل عمل يمكن القيام به في بداية العام الهجري؟
أفضل الأعمال هي ما يداوم عليه العبد من الطاعات العامة، مثل: المحافظة على الصلوات، وكثرة الذكر والاستغفار، والتوبة الصادقة، ومحاسبة النفس على ما مضى، والعزم على الاستقامة في العام الجديد، وصلة الأرحام، والصدقة.
هل الاحتفال برأس السنة الهجرية مشروع؟
تخصيص يوم رأس السنة الهجرية باحتفال لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، أما استغلال هذه المناسبة لتذكير النفس والأبناء بحدث الهجرة العظيم وأخذ العبر منه، دون إحداث عبادات أو طقوس خاصة، فهو أمر طيب يدخل في باب التذكير بأيام الله.


