يُعد الحزن والألم جزءًا من طبيعة الحياة الدنيا، وابتلاءً يختبر الله به صبر عباده المؤمنين، وفي خضم هذه اللحظات، حين يشعر الإنسان بثقل في قلبه، يجد في اللجوء إلى الله تعالى والتعلق به أعظم ملاذ وسكينة، إن الدعاء هو العبادة التي تصل العبد بربه مباشرة، وهو السلاح الذي يواجه به المؤمن مصائب الدهر، طالبًا من الله الصبر الجميل والفرج القريب، فالله سبحانه هو القادر وحده على إزالة الهموم، وتبديل الأحزان أفراحًا، ومنح القلب طمأنينة تعينه على مواصلة مسيرته.
أدعية الصبر والثبات من القرآن الكريم والسنة النبوية
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والأثر العظيم، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء نبي الله يونس عليه السلام (دعاء الكرب)
وهو الدعاء الذي نادى به نبي الله يونس وهو في بطن الحوت، وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
2، دعاء الصبر عند ملاقاة الشدائد
هو دعاء أصحاب طالوت حينما برزوا لجيش جالوت الجبار، فسألوا الله الصبر والثبات.
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 250.
3، دعاء الاستعاذة من الهم والحزن
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء، وهو من الأدعية الجامعة التي تحصّن المسلم من مكدرات الحياة.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.”
المصدر: صحيح البخاري.
شرح موجز: يستعيذ الداعي بالله من الهم (القلق من المستقبل) والحزن (الألم على الماضي)، ومن كل ما يضعف الإنسان ويقعده عن طاعة الله ومصالح دنياه.
4، دعاء المصيبة
هو دعاء علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها، ويُقال عند وقوع أي مصيبة.
“مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.”
المصدر: صحيح مسلم.
صيغ وأدعية عامة للصبر وتفريج الكرب
إلى جانب الأدعية الثابتة في القرآن والسنة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة التي فيها طلب للصبر وتفريج الهم، يمكن للمسلم أن يدعو بها وبغيرها ما لم يكن في لفظها محذور شرعي، فالأمر في الدعاء واسع، ومن هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ ارزقني صبرًا جميلًا على ما أصابني، وعوّضني خيرًا عن كل ما فقدته، وأبعد عني فتن الدنيا برحمتك يا أرحم الراحمين.
- رَبِّي اغفر لي ذنبي، وبارك لي في حياتي، وارزقني قلبًا صبورًا قويًا في وجه البلاء، واحفظ أحبتي من كل مكروه، وأزل الغم والحزن من قلبي يا كريم.
- اللَّهُمَّ اجعل نفسي طاهرة من الأحزان، واكتب لي قدرًا من الخير لا ينقطع، وارزقني قلبًا سليمًا، وبارك لي في أهلي وبيتي، وامسح أوجاعي بكرمك يا من لا يخيب من دعاه.
- اللَّهُمَّ اربط على قلبي في لحظات المحن، وثبتني على اليقين والإيمان، ونجّني من هموم الحياة، واجعل الراحة والسكينة تسكن قلبي يا أكرم الأكرمين.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
الحكم الشرعي: يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية وبأي صيغة ليس فيها إثم أو اعتداء في الدعاء، فالأمر في ذلك واسع، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل وأعظم أجرًا، لأنها من جوامع الكلم التي أوتيها عليه الصلاة والسلام.
أدعية لتيسير الفرج
عندما تضيق السبل وتتراكم الهموم، يظل الدعاء هو باب الفرج الذي لا يُغلق، ومن الأدعية الصحيحة التي يُرجى بها تيسير الأمور وكشف الغم:
- دعاء الاستغاثة بالله:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.”
المصدر: حسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
- دعاء تفريج الكروب العظام:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: صحيح البخاري وصحيح مسلم.
يبقى الهدف الأسمى لكل مؤمن هو تخطي الأزمات بيقين ثابت بالله، وهذا لا يتم إلا باللجوء إليه سبحانه بإلحاح وثقة تامة بأنه قريب مجيب الدعاء، وأنه أرحم بعباده من أنفسهم، وهو اللطيف الخبير الذي بيده مقاليد كل شيء.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 250.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 918، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- السلسلة الصحيحة للألباني، حديث رقم 227، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل دعاء للصبر عند المصيبة؟
أفضل ما يقال عند المصيبة هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”، فهذا الدعاء يجمع بين التسليم بقضاء الله وطلب الأجر والعوض منه سبحانه.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لطلب الصبر؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية التي تعبر عن حاجته، بشرط ألا تحتوي على إثم أو اعتداء، ولكن، يظل الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم بركة.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء بتفريج الهم؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، والإلحاح على الله بالدعاء في كل حين هو من أعظم أسباب الإجابة.

