الموت حقيقةٌ راسخةٌ وسُنَّةٌ ماضيةٌ من سنن الله في خلقه، وهو حدثٌ يترك أثراً عميقاً في النفس، ويُورث شعوراً بالفقد والحزن، والإسلام، برحمته وحكمته، لم يترك المسلم في مواجهة هذه المصيبة دون هداية وإرشاد، بل وجَّهه إلى ما فيه تسلية لقلبه وتثبيت لإيمانه، وأعظم ذلك هو اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والصبر والاحتساب.
إن مواجهة الفقد بالصبر لا تعني كبت المشاعر، بل هي حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن الأفعال التي لا تُرضي الله، إيماناً بقضائه وقدره، ورجاءً في عظيم أجره وثوابه.
أدعية الصبر عند الموت من القرآن والسنة النبوية (الأصل الموثوق)
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير والكفاية، ومن أعظم ما يُقال عند وقوع مصيبة الموت:
1، من القرآن الكريم
علّمنا الله تعالى في كتابه الكريم ما نقوله عند المصيبة، وهو دعاء وتسليم ورجاء:
“الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”
المصدر: [سورة البقرة: 156].
هذه الآية ليست مجرد عبارة تُقال، بل هي عقيدة راسخة وإقرار بأننا ملك لله، وإليه مرجعنا ومآبنا، وفي قولها تسلية عظيمة للمصاب.
2، من السنة النبوية المطهرة
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعاء عظيم يُعتبر من أهم أدعية الصبر والاحتساب، وهو ما روته أم سلمة رضي الله عنها.
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 918، (حديث صحيح).
شرح موجز: هذا الدعاء يجمع بين التسليم بقضاء الله (إنا لله…)، وطلب الأجر على الصبر (اللهم أجرني…)، والرجاء في عوض الله الجميل (وأخلف لي خيراً منها).
صيغ وأدعية عامة للصبر وتسلية المصاب
إلى جانب الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ لا تخالف الشرع، يسأل فيها ربه الصبر والسلوان له، والرحمة والمغفرة للميت، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُلْهِمَنَا الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ عَلَى مَا ابْتَلَيْتَنَا بِهِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِفَقِيدِنَا وَتَرْحَمَهُ بِوَاسِعِ كَرَمِكَ، وَأَنْ تُدْخِلَهُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا رَبِّ، هَبْنَا صَبْرًا جَمِيلًا يُخَفِّفُ عَنَّا أَلَمَ الفَقْدِ، وَاجْعَلْ قَبْرَ مَنْ فَقَدْنَا نُورًا وَسَعَةً، وَاغْفِرْ لَهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ، وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى الإِيمَانِ بِقَضَائِكَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّابِرِينَ المُحْتَسِبِينَ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِنَا، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا السَّكِينَةَ، وَاغْفِرْ لِمَيِّتِنَا وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ.
- يَا كَرِيمُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْحَمَ مَنْ غَادَرُونَا إِلَيْكَ، وَأَنْ تُكْرِمَ نُزُلَهُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَنْ تَشْرَحَ صُدُورَنَا بِالصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَتُقَوِّيَنَا عَلَى تَحَمُّلِ أَلَمِ الفِرَاقِ.
- رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِمَوْتَانَا، وَامْنَحْنَا السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَاءَ سَبَبًا لِقُرْبِنَا مِنْكَ، وَاجْعَلْ قُبُورَهُمْ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ.
تنبيه هام حول الأدعية غير الثابتة
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله الناس ويجري على ألسنتهم، وهي أدعية عامة بمعانٍ صحيحة، ولكنها لم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
ما هو الدعاء الصحيح عند وقوع مصيبة الموت؟
إن أفضل ما يفعله المسلم عند وقوع المصيبة هو اتباع الهدي النبوي، والذي يتمثل في أمرين أساسيين:
- الاسترجاع: وهو قول
“إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”
[البقرة: 156]، وهو أول ما ينبغي أن يلهج به اللسان إقراراً بالعبودية لله وتسليماً بقضائه.
- الدعاء المأثور: وهو قول
“اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”
كما ورد في حديث أم سلمة في صحيح مسلم.
والجمع بينهما هو أكمل الأحوال وأعظمها أجراً، حيث يجمع العبد بين الصبر والرضا والدعاء والرجاء.
أدعية للميت والتعزية
إلى جانب الدعاء للنفس بالصبر، من السنة الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة، ولأهله بالصبر والسلوان، ومن الأدعية الثابتة في هذا الباب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند الصلاة على الميت، والذي يمكن الدعاء به في كل وقت:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963.
إن الانشغال بالدعاء للميت هو من أعظم صور البر به بعد وفاته، وهو خير من الجزع والحزن الذي لا طائل من ورائه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 156.
- صحيح مسلم، حديث رقم 918، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية الصبر
ما هو أفضل دعاء عند سماع خبر الوفاة؟
أفضل ما يقال فور سماع خبر الوفاة هو الاسترجاع بقول: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، ثم يتبع ذلك بالدعاء المأثور: “اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”.
هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي للميت ولنفسي بالصبر؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة تحمل معانٍ طيبة وصحيحة، كطلب الرحمة للميت والصبر للنفس، ما دامت لا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، ولكن، يبقى الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.
ما معنى “أخلف لي خيراً منها”؟
معناها أن تسأل الله أن يعوضك عن مصيبتك بما هو خير لك في دينك ودنياك، وهذا العوض قد يكون مادياً أو معنوياً، كزيادة الإيمان، أو الصبر الجميل، أو زوج صالح كما حدث مع أم سلمة رضي الله عنها حين تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها أبي سلمة.
