إن الابتلاءات والمصائب جزءٌ من سنة الله في خلقه، وهي اختبارٌ لإيمان العبد وصبره، وسببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات، في مواجهة تحديات الحياة وتقلباتها، يجد المؤمن ملاذه في التقرب إلى الله عز وجل، وأعظم ما يتقرب به هو الدعاء الصادق، واللجوء إليه سبحانه بقلبٍ خاشع ونفسٍ راضية بقضائه وقدره، إن التمسك بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة هو سبيل الطمأنينة، ومفتاح الفرج، ومصدر القوة والثبات.

أدعية ثابتة في القرآن والسنة عند المصائب

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن الله سبحانه وتعالى في كتابه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، فهي الكافية الشافية، ومن هذه الأدعية المباركة:

1، ما يُقال عند وقوع المصيبة مباشرة

عندما تقع المصيبة، أول ما ينبغي على المسلم قوله هو الاسترجاع، تأسياً بقوله تعالى في كتابه الكريم:

“الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” [البقرة: 156]

وقد ورد في السنة النبوية دعاءٌ عظيم يُقال بعد الاسترجاع، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

“مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.” (رواه مسلم)

2، دعاء الكرب والحزن

هذا الدعاء من أعظم الأدعية لتفريج الهموم وكشف الغموم، وقد أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا.” (رواه أحمد، وصححه الألباني)

3، دعاء ذي النون (يونس عليه السلام)

وهو دعاء عظيم أشار إليه القرآن الكريم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دعا به مسلم في شيء إلا استجاب الله له.

“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]

صيغ وأدعية شائعة للصبر والفرج

تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد في نصوص القرآن أو السنة الصحيحة، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن الدعاء بها على وجه العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكثر بركة.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.

• “اللَّهُمَّ يَا صَبُورُ صَبِّرْنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتَنِي، وَامْتَحَنْتَنِي، وَارْبِطْ عَلَى قَلْبِي، وَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
• “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.” (هذا الدعاء ثابت في صحيح مسلم، ولكن يُذكر هنا ضمن السياق العام).
• “يَا رَبِّ، ارْزُقْنِي قَلْبًا رَاضِيًا بِمَا قَدَّرْتَ، وَصَبْرًا جَمِيلًا عَلَى مَا أَبْلَيْتَ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَرَجِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ.”.
• “اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.”.

حكم دعاء “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي”

ينتشر دعاء منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم قاله عند عودته من الطائف وهو: “اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ…”.

الحكم الشرعي: هذا الدعاء مروي في كتب السيرة، ولكن سنده ضعيف جداً ولا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق، ومع ذلك، فإن معاني الدعاء صحيحة ولا حرج في أن يدعو المسلم بها أو بمعانٍ مشابهة لها على أنها دعاء عام، دون الاعتقاد بأنها من السنة النبوية الثابتة، فالشكوى لله والتذلل بين يديه من صميم العبادة.

كيف يعين المسلم نفسه على الصبر؟

الصبر فضيلة عظيمة تحتاج إلى مجاهدة للنفس وتدريب، ويمكن تحقيقها من خلال عدة أمور تعين المسلم على الثبات عند الابتلاء:

• اليقين بحكمة الله: الإيمان بأن كل ما يصيب المؤمن هو خير له، وأن الابتلاء وسيلة لتطهير الذنوب ورفعة الدرجات، وليس للعقاب أو الإهلاك.
• معرفة طبيعة الدنيا: إدراك أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن الراحة الحقيقية في الجنة، مما يهوّن من شأن مصائبها.
• النظر في حال الآخرين: تأمل حال من هم أشد بلاءً يخفف من وقع المصيبة على النفس ويعزز الشعور بالرضا والحمد.
• استحضار ثواب الصابرين: تذكر وعد الله العظيم للصابرين بالأجر بغير حساب، كما قال تعالى:.

“…إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” [الزمر: 10]

• اللجوء إلى الدعاء والذكر: فالدعاء سلاح المؤمن، والذكر يورث القلب طمأنينة وسكينة.
• التأمل في قصص الأنبياء: الاقتداء بصبر الأنبياء والصالحين، مثل صبر أيوب ويعقوب ويوسف ومحمد عليهم الصلاة والسلام، يمنح القوة والعزيمة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أول ما يجب قوله عند وقوع مصيبة؟

أول ما يجب قوله هو “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، ثم يتبعها بالدعاء المأثور: “اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا”، كما ورد في حديث صحيح مسلم.

هل دعاء “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي” صحيح؟

هذا الدعاء مشهور في كتب السيرة، ولكن سنده ضعيف جداً ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، يجوز الدعاء بمعانيه العامة دون نسبته للنبي.

ما هو أفضل دعاء لتفريج الكرب الشديد؟

من أفضل الأدعية دعاء الكرب والحزن “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ…”، ودعاء يونس عليه السلام “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، فكلاهما ثابت وصحيح وله فضل عظيم في كشف الهم والغم.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر