الدعاء بعد الانتهاء من الطعام عبادة عظيمة وسنة نبوية مباركة، تُجسِّد شكر العبد لخالقه على نعمة الرزق، فالطعام والشراب من أجلّ النعم التي وهبها الله تعالى للإنسان، وهي قوام حياته ومصدر طاقته لأداء العبادات والواجبات اليومية، وقد حثّ الإسلام على استشعار هذه النعمة وشكر المنعم عليها، وجعل من آداب الطعام ذكر الله في أوله وحمده في آخره.

إن حمد الله بعد الأكل ليس مجرد عادة، بل هو اعتراف بفضل الله وتوحيده، حيث ينسب العبد النعمة إلى مصدرها الحقيقي، متبرئًا من حوله وقوته، وهذا الشكر سبب لرضا الله تعالى، وزيادة البركة في الرزق، ومغفرة الذنوب كما ورد في السنة النبوية المطهرة.

أدعية صحيحة ثابتة عند الطعام والشراب

وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ صحيحة للدعاء قبل تناول الطعام وبعده، وهي تمثل الهدي النبوي الكامل في هذا الشأن، من المهم للمسلم أن يحرص على هذه الأدعية الثابتة لما فيها من أجر عظيم واتباع للسنة.

1، الدعاء قبل البدء بالطعام

السنة أن يبدأ المسلم طعامه بذكر اسم الله تعالى، لما في ذلك من بركة ومنع للشيطان من المشاركة في الطعام.

• عند البدء: يقول: “بِسْمِ اللهِ”.
• إذا نسي في أوله: إذا نسي المسلم التسمية في أول الطعام وتذكر في أثنائه، فإنه يقول: “بِسْمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ”،
  المصدر: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

  “إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ”

  (رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني).

2، أدعية ثابتة بعد الفراغ من الطعام

هناك عدة صيغ صحيحة وردت عن النبي ﷺ لحمد الله بعد الطعام، ويستحب للمسلم أن يدعو بأي منها:

• الدعاء الأول (وهو سبب لمغفرة الذنوب):
  

  “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ”

  فضله ومصدره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

• الدعاء الثاني:
  

  “الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا”

  شرح موجز: “غير مكفي”: أي أننا لا نستطيع مكافأة نعم الله أو شكرها حق شكرها، “ولا مودَّع”: أي غير متروك، “ولا مستغنى عنه”: أي لا غنى لنا عن فضلك ورزقك يا ربنا،
  المصدر: عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال ذلك، (رواه البخاري).

• الدعاء عند شرب اللبن:
  

  “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ”

  المصدر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ اللَّبَنُ”، (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

صيغ شائعة يُنسب بعضها للسنة

تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية التي قد لا تكون ثابتة بنفس درجة صحة الأدعية المذكورة أعلاه، ومنها:

• صيغة: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ”،
  هذه الصيغة وردت في بعض كتب السنن مثل سنن أبي داود والترمذي، ولكن في سندها مقال، وقد أشار بعض أهل العلم إلى ضعفها.

تنبيه هام: الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والأدعية الصحيحة المذكورة أعلاه فيها الكفاية والبركة، وهي تغني عن غيرها مما لم يثبت سنده بشكل قاطع، والالتزام بالثابت هو الأسلم والأعظم أجراً.

فضل حمد الله على الطعام والشراب

إن شكر الله على نعمه من أعظم أسباب رضا الله عن عبده، ففي أبسط أمور الحياة اليومية كالأكل والشرب، يمكن للمسلم أن ينال رضا الله تعالى بمجرد الحمد والشكر.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا”

المصدر: صحيح مسلم.

هذا الحديث العظيم يبين مدى رحمة الله وفضله، حيث يجعل رضاه سبحانه وتعالى مرتبطًا بعمل يسير يقوم به العبد يوميًا، وهو ما يؤكد على أهمية استحضار النية في كل أمور الحياة.

آداب الطعام والشراب في السنة النبوية

وضع الإسلام آدابًا راقية لتناول الطعام والشراب، تعكس رقي هذا الدين واهتمامه بتفاصيل حياة المسلم، وتجمع بين النظافة، والصحة، والبركة، واحترام النعمة.

آداب ما قبل الطعام:

• غسل اليدين: للتأكد من نظافتهما قبل ملامسة الطعام.
• التسمية: قول “بسم الله” في بداية الأكل لطرد الشيطان وجلب البركة.
• الأكل مع الجماعة: يُستحب الاجتماع على الطعام فإنه من أسباب البركة.
• الدعاء للمضيف (عند الضيافة): إذا كنت ضيفًا، فمن السنة الدعاء لمن استضافك بعد الفراغ من الطعام بقول:
  

  “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ”

  (رواه مسلم).

آداب أثناء تناول الطعام:

• الأكل باليد اليمنى: لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة:
  

  “يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”

  (متفق عليه).

• الأكل مما يلي الشخص: وهو من تمام الأدب واحترام المشاركين في الطعام.
• الجلوس المعتدل: تجنب الأكل متكئًا، لما فيه من ضرر صحي ومخالفة للسنة.
• عدم عيب الطعام: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعيب طعامًا قط؛ إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، (متفق عليه).
• الاعتدال في الأكل: تطبيقًا لقوله تعالى:
  

  “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا”

  [الأعراف: 31]، ولقول النبي ﷺ:

  “مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ…”

  (رواه الترمذي).

آداب ما بعد الطعام:

• حمد الله تعالى: بالصيغ الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ.
• غسل اليدين والفم (المضمضة): لإزالة بقايا الطعام والحفاظ على النظافة الشخصية.
• لعق الأصابع أو الإناء: قبل غسلهما، لحديث:
  

  “فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ”

  (رواه مسلم).

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول أدعية الطعام

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر