الدعاء من أعظم العبادات التي تعبر عن صلة العبد بربه، فمن خلاله يستعين المؤمن بقوة الله تعالى لمواجهة تحديات الحياة وصعابها، يرفع المسلم يديه إلى خالق السماوات والأرض بيقين وإيمان، طالبًا العون والرحمة ممن بيده ملكوت كل شيء، في هذا الاتصال الروحي، يجد المؤمن مصدرًا لا ينضب من الطمأنينة والقوة، ويعزز يقينه بأن له ربًا قريبًا مجيبًا لا يرد من سأله.
فيما يلي مجموعة من الأدعية الموثوقة والمأثورة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها، مع بيان مصادرها وسياقها الشرعي.
أدعية نبوية صحيحة للعتق من النار وجوامع الخير
هذه مجموعة من الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تعد من جوامع الكلم، وتحمل خيري الدنيا والآخرة.
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
- دعاء سؤال العفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”.
المصدر: سنن أبي داود وسنن ابن ماجه، حديث صحيح.
- دعاء قضاء الدين والغنى من الفقر:
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء طلب الرحمة الواسعة:
“اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِيهِمَا مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ”.
المصدر: رواه الطبراني في المعجم الصغير، وحسّنه الألباني.
- دعاء سؤال خير ما في الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا”.
المصدر: سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد، حديث صحيح.
أدعية ليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان
تُعد العشر الأواخر من رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى، خاصة وأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ويُستحب الإكثار من الدعاء والعبادة في هذه الليالي المباركة.
- أفضل دعاء في ليلة القدر:عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح.
صيغ وأدعية عامة يمكن الدعاء بها
إلى جانب الأدعية النبوية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَعْتِقَ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ، وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَهْلِينَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَشْمَلُهُمْ رَحْمَتُكَ وَتُعْتِقُهُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ”.
- “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ”.
- “اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الأَرْضِ، وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَاقْضِ حَوَائِجَنَا وَحَوَائِجَ السَّائِلِينَ”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت كنصوص محددة بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
تنبيه حول دعاء منتشر وبيان درجته
ينتشر بين الناس دعاء يُنسب إليه فضل معين في العتق من النار، وهو:
“اللهمَّ إني أصبحتُ أُشهدكَ وأشهدُ حملةَ عرشِك وملائكتَك وجميعَ خلقِك أنك أنت اللهُ لا إله إلا أنت وأنَّ محمدًا عبدُك ورسولُك”.
ويُذكر معه فضل: “من قالها مرة أعتق الله ربعه من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه…”.
بيان درجة الحديث: هذا الحديث رواه أبو داود، وقد ضعّفه جمع من أهل العلم والمحدثين، منهم الإمام الألباني، وعلى الرغم من تداوله، فإن الأفضل للمسلم أن يلتزم بالأدعية والأذكار الثابتة في الأحاديث الصحيحة، وهي كثيرة ومباركة، وفيها غنية وكفاية.
أسباب يُرجى بها العتق من النار في رمضان
العتق من النار غاية كل مسلم، وقد جعل الله تعالى في شهر رمضان، وخصوصًا في عشره الأواخر، أسبابًا عظيمة لنيل هذا الفضل، ففي الحديث الصحيح أن لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من رمضان، ومن الأعمال التي يُرجى بها هذا الفضل:
- الإخلاص والصدق في الدعاء: أن يدعو المسلم بقلب حاضر، موقن بالإجابة، وخالٍ من الحقد والغل.
- المحافظة على الصلوات: خاصة صلاتي الفجر والعصر في وقتها جماعة، والحرص على السنن الرواتب والخشوع في الصلاة.
- الاجتهاد في العشر الأواخر: اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” (متفق عليه)، وهذا دليل على أهمية استغلال هذه الأوقات في الطاعة والعبادة والدعاء.
- تلاوة القرآن الكريم: بتدبر وتفكر، فهو كلام الله الذي يهدي للتي هي أقوم.
العشر الأواخر من رمضان هي محطة إيمانية ثمينة، ينبغي على كل مسلم أن يغتنمها بالاجتهاد في الطاعة، راجيًا من الله تعالى القبول والمغفرة والعتق من النيران.
المصادر والمراجع
- سورة الزمر، الآية 53.
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، كتاب الأدب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، كتاب الدعاء، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- المعجم الصغير للطبراني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري ومسلم (متفق عليه)، كتاب فضل ليلة القدر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يقال في العشر الأواخر من رمضان؟
أفضل دعاء هو ما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لتقوله في ليلة القدر: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، وهو دعاء جامع يطلب فيه العبد أعظم ما يرجوه من ربه وهو العفو.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي غير مأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ولكن الأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لأنها أجمع للمعاني وأعظم في البركة وأبعد عن الخطأ.
ما هي أوقات استجابة الدعاء في رمضان؟
شهر رمضان كله وقت مبارك للدعاء، وتتأكد الإجابة في أوقات معينة منها: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي أوقات السجود، وفي ليلة القدر التي هي أرجى ليالي السنة للإجابة.

