إن المرور بتجربة فسخ الخطوبة يمثل مرحلة حساسة قد يصاحبها الكثير من المشاعر الصعبة، فهي فترة كانت تحمل آمالاً وتطلعات لمستقبل مشترك، وفي الشريعة الإسلامية، الخطوبة هي وعد بالزواج وليست عقداً مُلزماً، وقد تظهر خلالها أمور تكشف عدم التوافق بين الطرفين، مما يجعل قرار الإنهاء هو الخيار الأصلح لهما حفظاً لدينهما ومستقبلهما، وفي هذه الأوقات، يجد المؤمن في اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء سبيلاً للسكينة والقوة، وطلبًا للعوض الجميل والتوفيق في اتخاذ القرارات الصائبة.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة عند الشدة واتخاذ القرار
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تحمل كل الخير، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة التي تناسب من يمر بمثل هذه الظروف:
1، دعاء الاستخارة لاتخاذ القرار
إذا كان الشخص لا يزال في حيرة من أمره بشأن إتمام أو فسخ الخطوبة، فإن صلاة الاستخارة ودعاءها هي المنهج النبوي الصحيح لطلب الخيرة من الله، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:
“إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويسمي حاجته- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1166 (حديث صحيح).
2، دعاء الكرب والهم
عند الشعور بالحزن والضيق بعد اتخاذ القرار، يُستحب الإكثار من دعاء الكرب الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6369 (حديث صحيح).
3، التسليم بقضاء الله والرضا به
من المهم أن يتذكر المسلم أن اختيار الله له هو الخير، حتى لو بدا له عكس ذلك في الظاهر، قال تعالى:
“وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 216.
أدعية عامة وصيغ شائعة لطلب العوض وجبر القلب
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ لا تخالف الشرع، يسأله فيها جبر قلبه والعوض الجميل، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها:
- اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، (دعاء مأثور من السنة عند المصيبة).
- اللَّهُمَّ اجْبُرْ قَلْبِي، وَعَوِّضْنِي خَيْرًا، وَارْزُقْنِي الرِّضَا بِمَا قَدَّرْتَ وَقَضَيْتَ.
- يَا رَبِّ، بِكَرَمِكَ اجْبُرْ كَسْرَ قَلْبِي، وَامْلأْ حَيَاتِي بِحُبِّكَ وَفَضْلِكَ، وَأَغْنِنِي بِرِضَاكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَبْرًا مِنْ عِنْدِكَ يَلِيقُ بِجَلَالِكَ وَعَظَمَتِكَ، وَانْثُرْ عَلَى حَيَاتِي خَيْرًا وَرَاحَةً وَسُرُورًا يُنْسِينِي كُلَّ أَلَمٍ.
- اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ الخَيْرِ وَالصَّوَابِ، وَأَغْلِقْ عَنِّي أَبْوَابَ الشَّرِّ وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ لِي.
- اللَّهُمَّ عَوِّضْنِي بِمَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ، وَاجْعَلْهُ عَوْنًا لِي عَلَى طَاعَتِكَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت كنصوص مخصصة لهذا الموقف بعينه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
حكم تخصيص دعاء معين لفسخ الخطوبة
لم يرد في الشريعة الإسلامية دعاء مخصص بعينه لفسخ الخطوبة أو لتجنبها، والصواب هو أن يلجأ المسلم إلى الأدعية العامة الواردة في القرآن والسنة لطلب الخير وتفريج الكروب والهموم، مثل دعاء الاستخارة عند الحيرة، ودعاء الكرب عند الحزن، وسؤال الله العوض الجميل والرضا بالقضاء والقدر.
دعاء لتجنب فسخ الخطوبة وطلب التوفيق
إذا كانت العلاقة قائمة ويرغب الطرفان في طلب التوفيق من الله واستمرارها على خير، فيمكنهما الدعاء بالأدعية العامة التي تسأل الله البركة والتيسير، ومنها:
- رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، (دعاء قرآني جامع من سورة الفرقان، الآية 74).
- اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، (مأثور عن ابن مسعود).
- اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي هَذَا الأَمْرِ خَيْرٌ لَنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا فَيَسِّرْهُ لَنَا وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ فَاصْرِفْهُ عَنَّا وَاصْرِفْنَا عَنْهُ.
- يَا رَبِّ، اجْعَلْ هَذِهِ الخُطُوبَةَ بَدَايَةَ حَيَاةٍ صَالِحَةٍ مُبَارَكَةٍ، وَارْزُقْنَا المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ وَالسَّكِينَةَ.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 216.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1166 (دعاء الاستخارة)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369 (دعاء الهم والحزن)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة الفرقان، الآية 74.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يوجد دعاء صحيح مخصص لفسخ الخطوبة؟
لا، لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص لهذه الحالة بعينها، ولكن يُشرع للمسلم أن يدعو بالأدعية العامة الواردة لتفريج الكروب، وسؤال الله الصبر والرضا والعوض الجميل.
ما هو أفضل ما يمكن فعله بعد فسخ الخطوبة؟
أفضل ما يمكن فعله هو الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وحسن الظن بالله بأنه اختار لك الخير، مع الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار، وشغل النفس بما هو نافع ومفيد في الدين والدنيا.
هل يمكنني الدعاء بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وبأي صيغة كانت، ما لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم، ولكن يبقى الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
