الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو سلاح المؤمن في مواجهة صعوبات الحياة وشدائدها، حينما يرفع المسلم يديه إلى الله تعالى، فإنه يعلن عن يقينه بأن الأمر كله بيد الله، وأنه سبحانه هو القادر وحده على تفريج الكروب، وتيسير الأمور، وقضاء الديون، وجلب الأرزاق.
إن التوجه إلى الله بالدعاء الخالص يمنح القلب سكينة وطمأنينة، ويجدد الأمل في النفس، ويقوي صلة العبد بخالقه، فهو مناجاة بين العبد وربه، يلقي فيها بكل همومه وأحزانه لمن هو أقوى وأعلم بحاله.

وقد أرشدنا القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلى كنوز من الأدعية المباركة التي تكون عونًا للمسلم في كل أحواله، وفي هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الثابتة والمأثورة للفرج والرزق وقضاء الدين، مع بيان مصادرها الشرعية لضمان موثوقيتها، ونوضح المنهج الصحيح في التعامل مع الأدعية المنتشرة.

أدعية صحيحة للفرج وقضاء الدين وتيسير الأمور
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير والكفاية، إليك مجموعة من الأدعية الصحيحة التي يُستحب للمسلم المداومة عليها:
1، دعاء الكرب
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء عند الكرب، وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 6346؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 2730).
2، دعاء تفريج الهم وقضاء الدين
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول هذا الدعاء:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6369.
3، دعاء قضاء الدين
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء لمن عليه دين، وقال: “قله، لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أداه الله عنك”.
اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3563 (حديث حسن).
4، دعاء آخر لقضاء الدين
وهو دعاء عظيم جامع علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لمن اشتكى إليه الدين.
اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2713.
5، دعاء من أصابه كرب وشدة
وهو من الأدعية النبوية التي يُرجى بها إجابة الدعاء وتفريج الكروب.
اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 5090 (حديث حسن).
صيغ شائعة يُدعى بها للفرج والرزق
تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في مصادر السنة النبوية المعتمدة، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة بشكل عام، إلا أنه لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيص فضل معين لها لم يثبت بدليل، ومن أمثلة ذلك:
- “اللّهم ارزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيّبًا من غير كدّ، واستجب دعائي من غير رد، أعوذ بكَ من الفضيحتين الفقر والدّين…”.
- “اللهم يا مؤنسي في وحدتي ويا راحمي في غربتي ويا وليّ نعمتي ويا مفرِّج كربتي..، ارزقني من عندك رزقاً واسعاً.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن لزمها وتحرى بها أوقات الإجابة.
حكم الأدعية المنتشرة لقضاء الدين والفرج
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها اعتداء أو إثم، ما لم يعتقد أن لهذه الصيغة فضلًا خاصًا أو أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل والأكمل دائمًا هو الحرص على الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة وأقرب للإجابة، لأنها من كلام الله أو كلام رسوله الذي أوتي جوامع الكلم.
أهمية السعي في تفريج كربات المسلمين
حث الإسلام على إعانة المسلمين وتفريج كروبهم، وجعل ذلك من أعظم القربات إلى الله تعالى، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الفضل العظيم لهذا العمل في قوله:
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2699.
إن مساعدة الآخرين، سواء بالمال أو الجهد أو الكلمة الطيبة، تعكس جوهر الإيمان وتُجسّد الأخوة الإسلامية، ومن أعظم ثمار هذا العمل:
- نيل عون الله وتيسيره: فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
- تفريج كربات يوم القيامة: وهو جزاء من جنس العمل، فمن فرّج كربة في الدنيا، فرّج الله عنه كربة أعظم في الآخرة.
- البركة في الرزق والعمر: فالإحسان إلى الخلق من أسباب سعة الرزق وطول العمر.
- نشر المحبة والألفة في المجتمع: مما يقوي روابط الأخوة ويزيد من تماسكه.

أسباب تحقيق الفرج وتيسير الأمور
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة تُعد من أعظم أسباب تفريج الهموم وجلب الأرزاق، ومنها:
- الاستغفار: قال تعالى:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا” [نوح: 10-12]
.
- تقوى الله: قال تعالى:
“وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق: 2-3]
.
- كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فهي سبب في كفاية الهم ومغفرة الذنب.
- الرضا بقضاء الله واليقين بحكمته: فذلك يورث القلب طمأنينة وراحة.

المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346 وحديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، وحديث رقم 2713، وحديث رقم 2699، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3563، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- سورة الطلاق، الآيات 2-3.
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت للدعاء؟
يُستحب تحري أوقات إجابة الدعاء، ومنها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ولكن، الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح هو الأدعية الثابتة في السنة النبوية، مثل “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك…” لقضاء الدين، و”اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…” للهموم، ودعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، هذه الأدعية كافية وشاملة وفيها بركة عظيمة.








