مع مرور الأيام وتوالي الأعوام، يقف المسلم متأملاً في مسيرة حياته، مستشعراً قيمة الوقت كنعمة من نعم الله تعالى التي يجب اغتنامها في طاعته، ومع بداية كل مرحلة جديدة، كعام جديد، يتجه القلب إلى الخالق بالدعاء، طالباً العون والبركة والتوفيق، الدعاء هو جوهر العبادة، وهو الصلة المباشرة بين العبد وربه، وفيه يجد المؤمن السكينة والطمأنينة.
من المهم أن يكون دعاء المسلم مبنياً على ما ورد في المصادر الشرعية الموثوقة، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكافية والشافية، وفيها من الخير والبركة ما يغني عن غيرها.
أدعية جامعة من القرآن والسنة تناسب كل وقت
لم يرد في السنة النبوية المطهرة دعاء مخصص لبداية العام الهجري أو الميلادي، ولكن يمكن للمسلم أن يدعو في كل وقت بالأدعية الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، والتي تصلح لكل زمان ومكان، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء من القرآن الكريم
هذا الدعاء من أجمع الأدعية التي وردت في كتاب الله، حيث يجمع بين طلب الخير في الدنيا والآخرة والنجاة من النار.
“وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(سورة البقرة، الآية: 201)
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بأدعية جامعة، ومنها:
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(صحيح البخاري، حديث صحيح).
- دعاء عظيم لإصلاح شأن المسلم كله:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
(صحيح مسلم، حديث صحيح).
صيغ شائعة ومنتشرة للدعاء بالعام الجديد
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء بمناسبة العام الجديد، وهي وإن كانت حسنة في معناها العام، إلا أنه من المهم معرفة حكمها الشرعي، من أمثلة هذه الصيغ المنتشرة:
- “اللهم اجعله عام خير وبركة وسعادة، وامحُ عنه تقلبات الدهر وفواجع القدر، واجعل خطوات حياتنا تحمل معها الخير والسكينة والطمأنينة.”.
- “يارب نستودعك هذه السنة الجديدة من أعمارنا، فاجعلها مليئة بالخيرات والبركات، ووفّر لنا ما نحتاجه من رزق، وجنّبنا الحاجة إلى غيرك.”.
- “اللهم مع بداية هذا العام الجديد، نرجوك يا كريم أن تملأ قلوبنا بالسعادة والفرح، وأن تنشر البركة في بيوتنا، وأن ترزقنا الصحبة الطيبة.”.
- “يا رب، نسألك أن تحمل لنا أيام العام الجديد الفرح والسعادة، وأن تيسر كل أمورنا، وتبارك لنا في رزقنا وأعمالنا.”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها غنى عن الأدعية المبتكرة أو المخصصة بوقت لم يخصصه الشرع.
حكم تخصيص بداية العام بدعاء معين
أوضح أهل العلم أن تخصيص وقت معين بعبادة معينة (مثل دعاء محدد لبداية العام) لم يرد به دليل شرعي يُعتبر من الأمور المحدثة (البدع الإضافية)، فالعبادات توقيفية، أي لا تُفعل إلا كما شرعها الله ورسوله.
لكن، إذا دعا المسلم في أي وقت – وصادف ذلك بداية العام – بدعاء عام دون أن يعتقد أن لهذا الوقت فضيلة خاصة أو أن هذا الدعاء سنة مخصصة لهذا اليوم، فلا حرج في ذلك، فالدعاء بالخير والبركة مشروع في كل حين.
الخلاصة هي أن المحظور هو الاعتقاد بسُنيّة هذا التخصيص، أما مجرد الدعاء العام فهو جائز.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل هناك دعاء صحيح ومخصص لبداية العام الجديد؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة وجود دعاء مخصص يُقال عند بداية العام الجديد (الهجري أو الميلادي)، والأفضل هو استخدام الأدعية الجامعة من القرآن والسنة في كل الأوقات.
ما هو أفضل دعاء يمكن أن أقوله في أي وقت؟
من أجمع الأدعية وأفضلها هو دعاء: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، لأنه يجمع خيري الدنيا والآخرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منه.
هل يجوز أن أدعو بالصيغ المنتشرة مثل “اللهم اجعله عام خير”؟
الدعاء بهذه الصيغ جائز في معناه، فهو طلب للخير من الله، لكن الخطأ هو تخصيصها ببداية العام واعتقاد أنها سنة نبوية أو أن لها فضلاً خاصاً في هذا الوقت، يمكن الدعاء بها في أي وقت كدعاء عام دون تخصيص.

