يعتبر دعاء الاستوداع من أعظم الأذكار التي يتوجه بها العبد إلى ربه، طالبًا منه الحفظ والرعاية لنفسه وأهله وماله وكل ما يعز عليه، فالله سبحانه هو خير الحافظين، وهو القادر على كل شيء، ويستمد هذا الدعاء مشروعيته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:.
“قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [يوسف: 64]
وهذا يغرس في قلب المؤمن اليقين بأن الحفظ الحقيقي لا يكون إلا من عند الله، وأن من استودع الله شيئًا، حفظه له.
الأدعية الصحيحة والمأثورة في الاستوداع
وردت في السنة النبوية الشريفة صيغ صحيحة ومحددة لدعاء الاستوداع، يُشرع للمسلم الالتزام بها في مواطنها، ومن أبرزها:.
1، دعاء المقيم للمسافر
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودّع رجلاً يريد السفر، أخذ بيده وقال:.
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
2، دعاء المسافر للمقيمين (لأهله)
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً فودّع أهله:.
“أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لاَ تَضِيعُ وَدَائِعُهُ”
(المصدر: سنن ابن ماجه، حديث صحيح).
وهذا الدعاء المبارك يمكن أن يقوله المسلم عند خروجه من بيته صباحاً، مستودعاً أهله ونفسه وماله عند الله تعالى.
صيغ شائعة في دعاء “اللهم إني أستودعك”
تنتشر بين الناس العديد من الصيغ الأدعية التي تحمل معنى الاستوداع، وهي تعبر عن تعلق القلب بالله والتوكل عليه، ومن هذه الصيغ ما يلي:.
أدعية لاستوداع النفس:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي، فَاحْفَظْنِي وَيَسِّرْ لِي سُبُلَ الخَيْرِ، وَحَقِّقْ لِي مَا أَتَمَنَّى.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ يَوْمِي هَذَا، فَاجْعَلْهُ يَوْمًا مُبَارَكًا، وَارْزُقْنِي فِيهِ مِنْ فَضْلِكَ الوَاسِعِ.
- يَا رَبِّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَنْ أُحِبُّ، فَلاَ تَجْعَلْ مَكْرُوهًا يُصِيبُنَا، وَاحْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ دِينِي وَدُنْيَايَ وَخَاتِمَتِي، فَاجْعَلْ لِي مَقَامًا كَرِيمًا تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ أَلْقَاكَ.
أدعية لاستوداع الصحة والعافية:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ صِحَّتِي وَعَافِيَتِي، فَاحْفَظْنِي مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، وَمَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقُوَّتِي مَا أَحْيَيْتَنِي.
- يَا رَبِّ، اسْتَوْدَعْتُكَ جَسَدِي، فَأَبْعِدْ عَنِّي الأَمْرَاضَ وَالآلاَمَ، وَامْنَحْنِي الصِّحَّةَ وَالقُوَّةَ وَالعَافِيَةَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ قَلْبِي، فَطَهِّرْهُ مِنْ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ، وَامْلأْهُ بِالإِيمَانِ وَالخُشُوعِ لَكَ وَحْدَكَ.
أدعية لاستوداع الأهل والأحبة:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ أَهْلِي وَأَحِبَّتِي، فَاحْفَظْهُمْ بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَارْعَهُمْ بِرِعَايَتِكَ.
- يَا رَبِّ، أَسْتَوْدِعُكَ أَوْلاَدِي، فَاجْعَلْهُمْ فِي أَمَانِكَ وَحِفْظِكَ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ بَيْتِي وَأَهْلِي وَمَالِي، فَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي، وَقِنِي شَرَّ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ مَنْ أُحِبُّ، فَلاَ تُرِنِي فِيهِمْ بَأْسًا يُبْكِينِي، وَاجْعَلْهُمْ دَائِمًا فِي حِفْظِكَ وَسِتْرِكَ.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بهذا التخصيص والتفصيل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة مبنية على التوقيف، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بأدعية عامة من عنده شريطة ألا تحتوي على محظور شرعي.
الحكم الشرعي للأدعية المنتشرة بصيغة “أستودعك”
أصل “الاستوداع” مشروع وثابت في السنة النبوية كما سبق بيانه، أما الصيغ المنتشرة التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز الدعاء بها من حيث المعنى العام، لأنها تندرج تحت عموم الدعاء والتوكل على الله، بشرطين:.
- ألا يعتقد الداعي أنها سنة مأثورة أو أن لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.
- ألا تحتوي هذه الصيغ على أي اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية.
والأفضل والأكمل للمسلم هو الحرص على الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها من البركة ما ليس في غيرها.
المصادر والمراجع
- سورة يوسف، الآية 64.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3443، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 2825، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت لدعاء الاستوداع؟
يُقال دعاء الاستوداع في المواطن التي وردت بها السنة، مثل توديع المسافر، أو عند خروج المسافر من بيته، ويمكن للمسلم أن يستودع الله نفسه وأهله في كل صباح ومساء، أو عند الخروج من المنزل، فهو من صور التوكل على الله.
هل دعاء “اللهم إني أستودعك نفسي” صحيح؟
معنى الدعاء صحيح، فهو طلب الحفظ من الله، ولكن هذه الصيغة بالتحديد لم ترد في حديث نبوي، والصيغة الواردة هي “أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه” عند مفارقة الأهل، و”أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك” عند توديع المسافر.
هل يجوز أن أخترع صيغة دعاء خاصة بي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي يحتاجها، ما دامت لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأعظم أجراً.
 
		
