يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ومن الأهمية بمكان تحري الأدعية الصحيحة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وفي هذا السياق، يكثر البحث عن حكم دعاء “اللهم سخِّر لي الأرض ومن عليها” وصيغته، وسنوضح في هذا المقال الحكم الشرعي لهذا الدعاء، مع تقديم البدائل الصحيحة والمأثورة التي تحقق للمسلم مقصده في طلب التيسير والخير من الله تعالى.
ما الحكم الشرعي لدعاء “اللهم سخر لي الأرض ومن عليها”؟
دعاء “اللهم سخر لي الأرض ومن عليها” بهذه الصيغة المطلقة ليس من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام، وقد أشار عدد من أهل العلم إلى أن هذه الصياغة قد يدخلها شيء من الاعتداء في الدعاء.
- الاعتداء في الدعاء: طلب تسخير الأرض “كلها” ومن “عليها” هو طلبٌ عظيم جدًا لم يثبت أن أحدًا من الصالحين دعا به، وقد يُفهم منه معنى لا يليق بمقام العبودية والتذلل لله عز وجل، فالله تعالى قد سخر للإنسان ما في الأرض بشكل عام لخدمته وعمارة الكون، كما قال تعالى:
 “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ” [الجاثية: 13] ، أما طلب تسخيرها بشكل شخصي ومطلق فهو أمر يتجاوز حدود الحاجة المعتادة. 
- الأَوْلى والأسلم: يُنصح المسلم بالالتزام بالأدعية القرآنية والنبوية الصحيحة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، أو الدعاء بأدعية عامة تطلب التيسير والبركة والتوفيق في أمور محددة، وهو ما يضمن الأدب مع الله تعالى واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
صيغ شائعة تُنسب للدعاء بالتسخير
تنتشر بين الناس بعض الصيغ للدعاء بقصد التيسير والتسخير، ومنها ما يلي:
- “اللَّهُمَّ سَخِّرْ لِي الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَسَخِّرْ لِي مِنْ خَلْقِكَ مَنْ يُعِينُنِي فِي أُمُورِي وَيُوَفِّقُنِي لِمَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِي وَدُنْيَايَ”.
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُلُوبَ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ تَمِيلُ إِلَيَّ بِالْحُبِّ، وَوَجِّهْنِي لِدُرُوبِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَوَفِّقْنِي لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمُنْكَرَاتِ”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية المبتكرة أو التي قد تحمل معاني غير دقيقة.
البدائل الصحيحة والمأثورة للدعاء بالتيسير والتوفيق
الحمد لله، فإن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أدعية عظيمة ومباركة لتحقيق معاني التيسير والتوفيق وقضاء الحوائج، وهي أفضل وأكثر بركة، من هذه الأدعية:
1، أدعية من القرآن الكريم:
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية لطلب تيسير الأمور الصعبة.
 “قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي” [طه: 25-28] . 
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة:
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201] . 
2، أدعية من السنة النبوية الشريفة:
- دعاء تيسير الأمور:
 “اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلاً” (حديث صحيح، رواه ابن حبان في صحيحه). 
- دعاء الهم والحزن وقضاء الدين:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (حديث صحيح، رواه البخاري). 
- دعاء الاستخارة: وهو دعاء عظيم لطلب الخيرة من الله في كل أمر.
وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب للمسلم أن يدعو بما يحب من خيرَي الدنيا والآخرة ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، فقال:
“ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُوَ”
(حديث صحيح، متفق عليه).
وهذا يدل على سعة رحمة الله، فيمكن للمسلم أن يدعو الله بلغته وبما يفيض به قلبه، كأن يقول: “اللهم يسر لي أمري”، “اللهم وفقني في عملي”، “اللهم ارزقني الصحبة الصالحة”، وهي أدعية واضحة المعنى وسليمة المقصد.
هل الريح من جنود الله؟
نعم، الريح بلا شك من جنود الله تعالى التي يسخرها كيف يشاء، فهي تارة تكون رحمة، وتارة تكون عذاباً، وقد ذكرها القرآن الكريم في مواضع عدة كجند من جنود الله، كما في قوله تعالى عن غزوة الأحزاب:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا” [الأحزاب: 9]
وهذا يظهر عظمة قدرة الله تعالى في تسخير مخلوقاته لتحقيق أمره وحكمته.
المصادر والمراجع
- سورة الجاثية، الآية 13.
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأحزاب، الآية 9.
- صحيح ابن حبان، حديث رقم 974، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 835، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل دعاء “اللهم سخر لي الأرض ومن عليها” صحيح وثابت؟
ج: لا، هذا الدعاء ليس ثابتاً في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، والأفضل للمسلم استخدام الأدعية المأثورة أو الدعاء بمعانٍ عامة وسليمة لا اعتداء فيها.
س2: ما هو البديل الصحيح لهذا الدعاء؟
ج: أفضل البدائل هي الأدعية القرآنية والنبوية، مثل دعاء موسى عليه السلام “رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري”، ودعاء “اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً”، بالإضافة إلى الأدعية العامة لطلب التوفيق والتيسير.
س3: ما هو الوقت الأفضل للدعاء بتيسير الأمور؟
ج: يمكن الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
 
		
