الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو سلاح المؤمن الذي يستعين به على قضاء حوائجه وتفريج كروبه، ومن المعاني الجليلة في الدعاء “الاستجارة بالله”، أي طلب الحماية واللجوء إليه سبحانه من كل ما يُخاف، وعلى رأس ذلك الاستجارة من النار، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أدعية صحيحة ثابتة في هذا الباب.
أدعية صحيحة ثابتة في الاستجارة بالله من النار
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي وأكمله، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة الواردة في القرآن والسنة لطلب النجاة من النار:
1، من القرآن الكريم
كان من دعاء عباد الرحمن الذين أثنى الله عليهم في كتابه:
“وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا” [الفرقان: 65].
وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأعظمها، حيث يجمع بين إقرار العبد بربوبية الله وطلب صرف أعظم الكروب وهو عذاب جهنم.
2، من السنة النبوية المطهرة
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى صيغ متعددة للاستعاذة من النار، منها ما يُقال دبر كل صلاة:
“كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدعو في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ”، (حديث صحيح، رواه مسلم).
صيغ شائعة تُنسب لـ “دعاء المجير”
ينتشر بين الناس دعاء يُعرف بـ “دعاء المجير”، ويتضمن تكرار جملة “أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ يَا مُجِيرُ” بعد ذكر أسماء الله الحسنى، وفيما يلي النص المتداول لهذا الدعاء:
سُبْحانَكَ يا اَللهُ تَعالَيْتَ يا رَحْمنُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا رَحيمُ تَعالَيْتَ يا كَريمُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا مَلِكُ تَعالَيْتَ يا مالِكُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا قُدُّوسُ تَعالَيْتَ يا سَلامُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا مُؤْمِنُ تَعالَيْتَ يا مُهَيْمِنُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا عَزيزُ تَعالَيْتَ يا جَبّارُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا مُتَكَبِّرُ تَعالَيْتَ يا مُتَجَبِّرُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا خالِقُ تَعالَيْتَ يا بارِئُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
سُبْحانَكَ يا مُصَوِّرُ تَعالَيْتَ يا مُقَدِّرُ أَجِرْنا مِنَ النّارِ يا مُجيرُ.
الحكم الشرعي لدعاء المجير المتداول ومدى ثبوته
تنبيه هام: هذه الصيغة المحددة والمسماة “دعاء المجير” هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
فبينما معاني الدعاء في مجملها صحيحة (فهي تسبيح لله ودعاء بأسمائه الحسنى)، فإن تخصيص هذه الصيغة بفضل معين أو نسبتها إلى السنة النبوية أمر لا يصح، والخير كل الخير في لزوم الأدعية المأثورة الثابتة، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة.
أهمية الاستعانة بالله في جميع الأحوال
إن الاستعانة بالله هي جوهر العبادة، وتعني الاعتماد الصادق والثقة المطلقة بالله سبحانه، فهو وحده القادر على تبديل الأحوال وتيسير الأمور، هذه الاستعانة تملأ قلب المسلم طمأنينة ويقينًا بأنه في معية الله، خاصة في زمن تكثر فيه الفتن، فتكون الاستعانة بالله حصنًا منيعًا يحمي المسلم من الوقوع في المعاصي.
وتتجلى أهمية الاستعانة في كل جوانب الحياة، فهي تزيد من قوة الإنسان النفسية، والدعاء هو أقوى وسيلة لترسيخ هذا المعنى، فالله سبحانه يحب العبد الذي يتوكل عليه ويطلب عونه، كما أن هذه الاستعانة تحفظ الإنسان من وساوس الشيطان، فالقلب الذاكر لله والمستعين به يظل في مأمن من الزلل.
ويجدر التنبيه إلى الفرق بين “الاستعانة” المحمودة و”التواكل” المذموم، فالاستعانة الحقيقية تقتضي الأخذ بالأسباب وبذل الجهد، مع تعلق القلب بالله لطلب التوفيق والبركة، أما التواكل، فهو ترك العمل والقعود عن السعي اتكالًا على القدر، والمؤمن الحق هو من يجمع بين الأمرين: يجتهد في عمله، ويفوض أمره إلى الله، ثقةً في حكمته وتدبيره، وهذا هو سبيل النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة.
فضل الدعاء وشروط استجابته
يُعد الدعاء من أجلّ العبادات التي تقرب العبد من ربه وتعمّق صلته بخالقه، فهو وسيلة روحانية تبعث في النفس السكينة والاطمئنان، حين يرفع العبد يديه إلى الله، فإنه يوقن بأن الله سميع مجيب، وأنه سبحانه يختار له الخير، سواء في العطاء أو المنع، مما يزكي روحه بالرضا والتسليم.
ولتحقيق استجابة الدعاء بإذن الله، هناك آداب وشروط يُستحب للمسلم مراعاتها، من أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده.
- حضور القلب: الدعاء بيقين وثقة في إجابة الله.
- اجتناب الحرام: الحرص على أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال.
- الإلحاح في الدعاء: عدم الاستعجال وتكرار الدعاء بثقة ورجاء.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
المصادر والمراجع
- سورة الفرقان، الآية 65.
- صحيح مسلم، حديث رقم 588، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل دعاء المجير صحيح وثابت عن النبي؟
ج: دعاء المجير بالصيغة الطويلة المتداولة لم يثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل للمسلم أن يلتزم بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة الصحيحة، فهي أجمع للخير وأعظم بركة.
س2: ما هو البديل الصحيح لدعاء المجير؟
ج: البديل الأفضل هو استخدام الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، مثل قول: “رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ” أو “اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ”، أو الدعاء النبوي الشامل: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ…”.
س3: هل يجوز الدعاء بالصيغة المتداولة لدعاء المجير؟
ج: بما أن معاني الدعاء في جملتها صحيحة (تسبيح ودعاء بأسماء الله)، فلا يُعد الدعاء به شركًا أو بدعة منكرة، لكن الإشكال يكمن في اعتقاد أن لهذه الصيغة فضلًا خاصًا أو أنها من السنة النبوية، أو تخصيصها بوقت معين كالأيام البيض من رمضان، فهذا لا أصل له، الأولى والأكمل هو لزوم ما ورد به الدليل الشرعي.

