حرّم الله عزّ وجلّ الظلم على نفسه وجعله بين عباده مُحرّمًا، ووعد بنصرة المظلوم ولو بعد حين، وتُعدّ دعوة المظلوم من الدعوات التي ليس بينها وبين الله حجاب، فهي تصعد إلى السماء مباشرةً استجابةً لعدل الله وحكمته، إن اللجوء إلى الله بالدعاء هو أقوى سلاح للمظلوم، حيث يفوّض أمره إلى القوي العزيز الذي لا يغفل ولا ينام، والذي يأخذ الحق للمظلوم ممن ظلمه.
في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى صيغ دعاء عامة يمكن للمظلوم أن يناجي بها ربه، مع التأكيد على أهمية الالتزام بالآداب الشرعية والاعتماد على المصادر الموثوقة.
دعاء المظلوم في القرآن والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تحمل جوامع الكلم وتعبّر عن كمال العبودية لله.
أدعية من القرآن الكريم على الظالمين
ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتضمن دعاءً على الظالمين أو بيانًا لمصيرهم، وهي من أقوى ما يمكن أن يدعو به المظلوم:
- دعاء طلب النصرة على القوم الظالمين:
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 250].
.
- بيان سوء عاقبة الظالمين:
“فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” [الأنعام: 45].
.
- التأكيد على أن لعنة الله تحيط بالظالمين:
“يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” [غافر: 52].
.
- الدعاء بالنجاة من القوم الظالمين:
“رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [القصص: 21].
.
- دعاء سيدنا يونس عليه السلام، وهو من أعظم أدعية تفريج الكروب:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
أحاديث نبوية في نصرة المظلوم
أكدت السنة النبوية الشريفة على مكانة دعوة المظلوم وسرعة استجابتها، وهي تبث في نفس المظلوم اليقين بنصر الله القادم.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال:
“اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ” (حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم).
.
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ثلاثُ دَعواتٍ مُستجاباتٌ لا شكَّ فِيهنَّ: دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ” (حديث حسن، رواه الترمذي وأبو داود).
.
- من الأدعية النبوية العامة عند الكرب والشدة، والتي تناسب حال المظلوم:
“اللَّهُمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تَكِلْني إلى نَفسي طرفةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ” (حديث حسن، رواه أبو داود).
.
صيغ وأدعية عامة للمظلوم
إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغٍ لا تخالف الشرع، يعبر فيها عن حاجته وشكواه إلى الله سبحانه.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله الناس ويجتهدون فيه، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.
دعاء المظلوم المقهور بصيغة مكتوبة
- اللَّهُمَّ يَا رَبَّ الأَرْبَابِ، يَا مُسَبِّبَ الأَسْبَابِ، انْقَطَعَتْ بِيَ السُّبُلُ إِلَّا سَبِيلَكَ، وَأُغْلِقَتْ دُونِيَ الأَبْوَابُ إِلَّا بَابَكَ، فَلَا حَوْلَ لِي وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، يَا ذَا القُوَّةِ المَتِين، أَغِثْنِي وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي.
- يَا رَبِّ، إِنِّي وَمَنْ ظَلَمَنِي عَبِيدٌ لَكَ، نَوَاصِينَا بِيَدِكَ، تَعْلَمُ مُسْتَقَرَّنَا وَمُسْتَوْدَعَنَا، وَتَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، أَحَطْتَ بِنَا عِلْمًا وَقُدْرَةً، فَخُذْ لِي بِحَقِّي مِنْهُ، وَاجْبُرْ كَسْرِي بِعَدْلِكَ يَا أَحْكَمَ الحَاكِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّ الظَّالِمَ مَهْمَا عَظُمَتْ قُوَّتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ ضَعِيفٌ فِي قَبْضَتِكَ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْكَ بِسُلْطَانِهِ، فَأَدْرِكْنِي بِرَحْمَتِكَ، وَأَرِنِي فِيهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
- إِلَهِي، أَسْأَلُكَ بِقَوْلِكَ الحَقِّ:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ” [البقرة: 186]
هَا أَنَا أَدْعُوكَ دُعَاءَ المَضْطَرِّ، رَاجِيًا إِجَابَتَكَ، فَانْصُرْنِي نَصْرًا عَزِيزًا مُؤَزَّرًا.
حكم الدعاء على الظالم وآدابه
يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته، دون تعدٍّ في الدعاء، والأفضل من ذلك هو العفو والصفح إن كان قادرًا عليه، فهو أقرب للتقوى وأعظم أجرًا عند الله، ومن آداب الدعاء على الظالم:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون القصد هو رفع الظلم وطلب العدل من الله، لا التشفي والانتقام الشخصي.
- عدم التعدي في الدعاء: لا يجوز الدعاء على الظالم بأكثر مما يستحق، أو أن يشمل الدعاء أهله أو من لا ذنب لهم.
- الدعاء بالهداية: من مراتب الإحسان العليا أن يدعو المظلوم للظالم بالهداية والصلاح، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه.
- تفويض الأمر لله: أن يقول “حسبي الله ونعم الوكيل”، فيكل أمره كله إلى الله، وهو سبحانه يتولى نصرته.
الأوقات والأحوال التي يُستحب فيها الدعاء
يتحرى المسلم الأوقات والأحوال التي هي أرجى للإجابة، ليكون دعاؤه أقرب للقبول، مع الالتزام بآداب الدعاء من إخلاص ويقين وحضور قلب.
| آداب الدعاء | الأوقات والأحوال المستحبة للدعاء |
| الإخلاص لله تعالى وحضور القلب. | الثلث الأخير من الليل: وقت التنزل الإلهي، وهو من أفضل الأوقات للدعاء والمناجاة. |
| اليقين التام بإجابة الله سبحانه وتعالى. | أثناء السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. |
| رفع اليدين تضرعًا وخشوعًا. | بين الأذان والإقامة: فهو وقت لا يرد فيه الدعاء، كما ورد في الحديث الشريف. |
| الإلحاح في الدعاء وتكراره. | عند نزول المطر: لأنه وقت تنزل رحمة الله. |
| تجنب السجع المتكلف والدعاء بما هو مأثور أو بما يفتح الله به على عبده. | يوم الجمعة: ففيه ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه. |
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 250.
- سورة الأنعام، الآية 45.
- سورة غافر، الآية 52.
- سورة القصص، الآية 21.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 186.
- صحيح البخاري، حديث رقم 2448، وصحيح مسلم، حديث رقم 19، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1905، وسنن أبي داود، حديث رقم 1536، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: هل دعاء المظلوم مستجاب حتى لو كان غير مسلم؟
نعم، دعوة المظلوم مستجابة ولو كان كافرًا، لأن الله حرم الظلم على نفسه، وعدله يشمل جميع خلقه، وقد ورد في الحديث: “واتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجاب” (رواه أحمد وحسنه الألباني).
س2: ما هو أفضل دعاء للمظلوم؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن والسنة، مثل دعاء “رب انصرني على القوم المفسدين” و “حسبي الله ونعم الوكيل”، كما أن تفويض الأمر بالكامل لله هو من أعظم صور العبادة والتوكل، والله يتولى نصرة من استنصر به.
س3: هل الأفضل الدعاء على الظالم أم العفو عنه؟
كلاهما جائز شرعًا، الدعاء على الظالم بقدر مظلمته هو حق للمظلوم، أما العفو والصفح فهو درجة أعلى وأعظم أجرًا عند الله، قال تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” [الشورى: 40]، ويختار المسلم ما يطمئن إليه قلبه وما هو أصلح لدينه ودنياه.

