النبيُّ مُحمَّدٌ ﷺ هو خاتمُ الأنبياء والمرسلين، أرسله الله رحمةً للعالمين ليدعو الناس إلى توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وقد واجه ﷺ في سبيل دعوته الكثير من الأذى والمشقة، ومن أبرز المواقف التي تجلى فيها صبره وتوكله على الله رحلته إلى الطائف.

دعاء الطائف: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي” – القصة والحكم الشرعي

بعد أن اشتد الأذى على النبي ﷺ في مكة، خرج إلى مدينة الطائف راجيًا أن يجد في أهلها نصرة لدين الله، لكنهم قابلوه بالرفض الشديد والإيذاء، وفي طريق عودته، وهو في أشد حالات الكرب والألم، لجأ إلى الله تعالى بهذا الدعاء المشهور الذي يفيض بالعبودية والتوكل.

نص الدعاء المأثور في قصة الطائف

يُروى أنه ﷺ دعا فقال:

“اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ”.

ما صحة دعاء الطائف؟

حكم الدعاء: هذا الدعاء مشهور في كتب السيرة النبوية والتاريخ، مثل “سيرة ابن هشام”، ومع ذلك، أشار علماء الحديث إلى أن سند هذه الرواية ضعيف، فهي لم ترد في كتب الحديث الصحيحة كصحيح البخاري أو مسلم.

ولكن، على الرغم من ضعف سنده، فإن معاني الدعاء صحيحة ولا تخالف أصول الشريعة الإسلامية، بل هي تجسيد للجوء الكامل إلى الله والاعتراف بالضعف بين يديه، لذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بهذه الكلمات أو بمعناها عند الشعور بالكرب والضعف، دون الجزم بأن النبي ﷺ قاله بهذه الصيغة نصًا، ولكن استئناسًا بمعانيه العظيمة.

أدعية صحيحة من القرآن والسنة عند الشعور بالضعف والكرب

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكفاية والبركة، وهذه بعض الأدعية الصحيحة التي يُلجأ إليها في أوقات الشدة:

1، دعاء يونس عليه السلام (دعاء الكرب)

وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم، قال تعالى:

“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].

وقد قال النبي ﷺ عن هذا الدعاء:

“فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”

(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2، دعاء الكرب من السنة الصحيحة

كان النبي ﷺ يقول عند الكرب:

“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”

(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم).

3، دعاء الهم والحزن

من الأدعية النبوية الثابتة لذهاب الهم والغم:

“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”

(رواه أحمد، وصححه الألباني).

صيغ وأدعية عامة يُستأنس بها عند الشعور بالضعف

تنبيه هام: هذه الصيغ التالية هي أدعية عامة من إنشاء الناس، لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأفضل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، ومع ذلك، يجوز الدعاء بهذه الصيغ العامة ما دامت معانيها لا تخالف الشرع.

• اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَأَنْتَ حَسْبِي فِي كُلِّ ضِيقٍ، وَأَنْتَ مَلْجَأِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ عَنِّي هَمِّي، وَأَبْعِدْ عَنِّي شَرَّ مَنْ أَرَادَ بِي سُوءًا، اللَّهُمَّ قَوِّنِي بِقُوَّتِكَ، وَكُنْ لِي نَصِيرًا فِي كُلِّ حِينٍ.
• يَا رَبِّ، أَنْتَ رَبِّي وَمَوْلَايَ، إِلَيْكَ أَلْجَأُ وَأَنْتَ وَحْدَكَ سَنَدِي، وَقَدْ ضَاقَتْ بِيَ السُّبُلُ، فَأَنْتَ حَسْبِي وَكَفَى بِكَ وَكِيلًا، أَرْفَعُ إِلَيْكَ ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَاجْبُرْ كَسْرِي وَأَمِدَّنِي بِالْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ.
• اللَّهُمَّ يَا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَرِّجْ عَنِّي كَرْبِي، وَامْلَأْ قَلْبِي بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ عَنِّي الضُّرَّ وَأَبْعِدْ عَنِّي كُلَّ مَا يُحْزِنُنِي، وَيَسِّرْ لِي أُمُورِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ الْخَيْرِ.

أهمية اللجوء إلى الله في الشدائد

إن قصة دعاء الطائف، بغض النظر عن درجة صحة روايته، تحمل دروسًا عظيمة لكل مسلم، من أهمها:

• الاعتراف بالضعف بين يدي الله: قوة العبد الحقيقية تكمن في إظهار ضعفه وحاجته إلى الله القوي العزيز، فاللجوء إلى الله هو عين القوة.
• التوكل الخالص: في أشد لحظات اليأس، لم يلجأ النبي ﷺ إلا إلى الله وحده، وهذا يعلّمنا أن نستغني بالله عن الخلق، فمن توكل على الله كفاه.
• اليقين بالإجابة: الدعاء هو سلاح المؤمن الذي لا يخطئ، حتى وإن تأخرت الإجابة الظاهرية، فإن الله لا يضيع دعاء عبده، بل يرفع به درجاته أو يدفع عنه من السوء مثله.
• الصبر على الأذى: يعلّمنا هذا الموقف أن طريق الدعوة والإصلاح محفوف بالمشاق، وأن الصبر واللجوء إلى الله هما مفتاح النصر والفرج.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

هل دعاء الطائف “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي” صحيح؟

الدعاء مشهور في كتب السيرة ولكن سنده ضعيف من الناحية الحديثية، ومع ذلك، معناه صحيح ويجوز الدعاء به أو بمعناه دون نسبته بشكل جازم للنبي ﷺ.

ما هو أفضل دعاء عند الشعور بالضعف وقلة الحيلة؟

أفضل الأدعية هي ما ثبت في القرآن والسنة، مثل دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…” ودعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

هل يجوز أن أدعو الله بكلمات من عندي؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلمات وبأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في دعائه اعتداء أو مخالفة للشرع، ولكن، يبقى الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة هو الأفضل والأكثر بركة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر