يُعَدُّ الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وتتأكد أهميته في شهر رمضان، لا سيما في العشر الأواخر منه، حيث يتحرى المسلمون ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفي هذه الأيام المباركة، يزداد الإقبال على الطاعات، ويحرص المؤمنون على استثمار كل لحظة في ذكر الله ودعائه، طلبًا للمغفرة والرحمة والعتق من النار.
وبينما يحرص المسلم على الدعاء طوال الشهر، فإن الأَوْلى به هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية.
أدعية قرآنية ونبوية جامعة تُقال في كل وقت
بدلاً من تخصيص اليوم الثاني والعشرين بدعاء لم يثبت، يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية الجامعة والمأثورة التي ثبتت في الكتاب والسنة، فهي خير ما يُدعى به في كل وقت، ومنها:
- دعاء ليلة القدر (وهو أفضل دعاء في العشر الأواخر): عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي:
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي
(رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
- من جوامع الدعاء القرآني:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
- دعاء لطلب الثبات على الدين:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
[آل عمران: 8].
- دعاء تفريج الكروب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
(متفق عليه).
صيغ شائعة تُنسب لليوم الثاني والعشرين من رمضان
ينتشر بين الناس دعاء مخصص لليوم الثاني والعشرين من رمضان، وهذه هي صيغته المتداولة:
الحكم الشرعي وتنبيه هام
تنبيه هام: هذه الصيغة، وما يرافقها من ذكر لفضل خاص (مثل تيسير سؤال منكر ونكير)، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها التوقيف والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية التي لم يثبت مصدرها.
إن تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين لم يرد به دليل شرعي يُعد من المحدثات، والخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فضل الدعاء في العشر الأواخر من رمضان
بدلاً من التركيز على فضل دعاء غير ثابت، يجدر بنا التركيز على الفضل العظيم للدعاء في العشر الأواخر من رمضان بشكل عام، هذه الليالي هي أفضل ليالي العام، وفيها ليلة القدر التي قال الله عنها أنها خير من ألف شهر، ومن فضائل الدعاء فيها:
- مظنة إجابة الدعاء: الدعاء في هذه الأوقات المباركة، خاصة في الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، أقرب للإجابة.
- موافقة ليلة القدر: من وفقه الله للدعاء في ليلة القدر، فقد فاز فوزًا عظيمًا، حيث يُستجاب دعاؤه وتُغفر ذنوبه.
- اتباع السنة النبوية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، وكان يكثر من الدعاء والعبادة.
أمثلة على أدعية عامة يمكن الدعاء بها
في نهار وليالي العشر الأواخر، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيرَي الدنيا والآخرة، وهذه بعض الصيغ العامة التي تجمع معاني الخير:
- اللهم اجعلنا في هذه الليالي المباركة من المقبولين، واكتبنا من عتقائك من النار، اللهم بلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من الفائزين برحمتك ورضوانك.
- يا ربنا، نسألك حُسن الختام، وأن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم لا تخرجنا من رمضان إلا وقد غفرت لنا ذنوبنا، وعتقت رقابنا من النار.
- اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك.
- يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، ونسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
- اللهم اجعل هذا الشهر المبارك محطة تغيير لحياتنا نحو الأفضل، وأعنَّا فيه على تحقيق ما يرضيك، ولا تخرجه عنا إلا وقد رضيت عنا وكتبتنا في عبادك الصالحين.
أعمال صالحة مستحبة في العشر الأواخر من رمضان
إلى جانب الدعاء، تُعد الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة من أعظم القربات، ومن هذه الأعمال:
- قيام الليل: وهو دأب الصالحين، وفيه يتقرب العبد من ربه بالصلاة والدعاء، خاصة في الثلث الأخير من الليل.
- قراءة القرآن بتدبر: رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ”
[البقرة: 185]، ويُستحب ختمه وتدبر معانيه.
- الصدقة والزكاة: إغاثة الفقراء والمحتاجين من أفضل الأعمال، والصدقة في رمضان أجرها مضاعف، وهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
- الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للتفرغ للعبادة، وهو سنة نبوية مؤكدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
- كثرة الذكر والاستغفار: من تسبيح وتهليل وتحميد وتكبير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تملأ القلوب إيمانًا وطمأنينة.
الدعاء هو العبادة، وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
فلنحرص على الدعاء بما هو ثابت وصحيح، ونتجنب نشر ما لا أصل له، التماسًا للبركة واتباعًا للسنة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة البقرة، الآية 185.
- سورة غافر، الآية 60.
- حديث دعاء ليلة القدر، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3513، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الكرب، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6346، على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
- هل يوجد دعاء مخصص لليوم 22 من رمضان؟
- لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أي دعاء مخصص لليوم الثاني والعشرين من رمضان أو غيره من الأيام، والأدعية اليومية المنتشرة لا أصل لها.
- ما هو أفضل دعاء يمكن قوله في العشر الأواخر؟
- أفضل دعاء هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند سؤال عائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، بالإضافة إلى الأدعية الجامعة من القرآن والسنة.
- ما حكم نشر الأدعية اليومية لرمضان غير الثابتة؟
- لا يجوز نشرها ونسبتها إلى الدين، لأنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يدخل ذلك في باب الابتداع، والواجب هو توجيه الناس إلى الأدعية الصحيحة والمأثورة.

