يُعَدُّ شهر رمضان المبارك فرصةً عظيمة للمسلمين للتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والعبادات، وعلى رأسها الصيام الذي فرضه الله على كل مسلم بالغ عاقل قادر، قال تعالى في محكم التنزيل:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة: 183]
.
وفي هذا الشهر الفضيل، تتجلى معاني البركة والخير، وتزداد الألفة والتكاتف الاجتماعي، وتمتلئ المساجد بالمصلين الساعين لنيل رضا الله ومغفرته، ويُعتبر الدعاء من أسمى العبادات التي يحرص عليها المؤمن، فهو مخ العبادة وجوهرها، لا سيما في أوقات رمضان المباركة.
أدعية صحيحة ومأثورة يُستحب الإكثار منها في رمضان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكافية الشافية التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وفيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة التي يُستحب للمسلم أن يلهج بها لسانه في كل وقت، خاصة في أيام رمضان ولياليه:
أدعية جامعة من السنة النبوية
- دعاء طلب الخير كله: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.”
المصدر: رواه ابن ماجه (3846)، وصححه الألباني.
- دعاء الكرب والهم: عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب”:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.”
المصدر: رواه أبو داود (5090)، وحسنه الألباني.
- دعاء الاستعاذة من أمور أربعة: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا.”
المصدر: رواه مسلم (2722).
صيغ منتشرة تُنسب لأيام رمضان (تنبيه هام)
ينتشر بين الناس تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين، ومن ذلك ما يُنسب لليوم الخامس من رمضان بالصيغة التالية:
- “عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله: اللهم اجعلني في هذا اليوم من المستغفرين، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين، واجعلني فيه من أوليائك المقربين، برأفتك يا أرحم الراحمين.”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغة المخصصة لليوم الخامس، وغيرها من الأدعية المخصصة لكل يوم من أيام رمضان، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وغنية عن غيرها.
ما صحة تخصيص دعاء معين لكل يوم من رمضان؟
أكد أهل العلم والمختصون في الحديث النبوي أن الأحاديث الواردة في فضائل وأدعية أيام رمضان (دعاء اليوم الأول، دعاء اليوم الثاني، وهكذا) هي أحاديث لا أصل لها أو موضوعة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمسلم أن ينسبها إليه أو يعتقد بفضلها الخاص، بل عليه أن يدعو بما شاء من الأدعية الصحيحة العامة في كل أيام الشهر دون تخصيص.
أدعية عامة جامعة لخيري الدنيا والآخرة
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بصيغ عامة تحمل معاني طيبة، ما لم يعتقد أنها من السنة النبوية نصًا، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ إنِّي أسألك برحمتِك أن ترفعَ ذكري، وتمحوَ وزري، وتُصلِحَ أمري، وتغفر لي ذنبي، اللَّهُمَّ امنحني إيمانًا صادقًا، ورزقًا طيبًا، واجعل لي نصيبًا من مرافقةِ النبيِّ مُحمد ﷺ في أعلى الجنان.
- اللَّهُمَّ ثبّت قلبي على دينِكَ، وأحيِني على الإيمان، وتوفّني على الإسلام، وارزقني حُسن الخاتمة وألحقني بالصالحين.
- اللَّهُمَّ أعنّي على صيام رمضان وقيامه، وتلاوة القرآن فيه، وتقبّل منّا صالح الأعمال بكرمِك وعفوك يا أرحم الراحمين.
- اللَّهُمَّ اجعل صيامي خالصًا لوجهك الكريم، وقيامي مقبولًا عندك، وثبّتنا على طاعتك، وأيقظ قلوبنا من غفلتها.
- اللَّهُمَّ إنّا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تستجيب دعواتنا، وتحقق رجاءنا، وتقضي حوائجنا، وتفرّج كروبنا، وتغفر ذنوبنا يا أرحم الراحمين.
الأعمال المستحبة في شهر رمضان
إلى جانب الدعاء، يُستحب للمسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك، ومنها:
1، الإكثار من الاستغفار
للاستغفار أثر عظيم في محو الذنوب وجلب الرزق والبركة، وهو من أفضل القربات، خاصة في أوقات السحر، قال تعالى:
“وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18]
.
2، حفظ اللسان والجوارح
الصيام الحقيقي ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو صيام الجوارح عن كل ما يغضب الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.”
(المصدر: صحيح البخاري، 6057)، فينبغي على الصائم حفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب، وبصره عن الحرام، ويده عن الأذى.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 183.
- سورة الذاريات، الآية 18.
- حديث “اللهم إني أسألك من الخير كله…”، رواه ابن ماجه (3846)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم رحمتك أرجو…”، رواه أبو داود (5090)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع…”، رواه مسلم (2722)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من لم يدع قول الزور…”، صحيح البخاري (6057)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل يوجد دعاء صحيح مخصص لليوم الخامس من رمضان؟
ج: لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أي دعاء مخصص لليوم الخامس أو لأي يوم آخر من أيام رمضان، والأولى بالمسلم أن يدعو بالأدعية الصحيحة العامة من القرآن والسنة.
س2: ما هو أفضل دعاء يمكن أن أقوله في رمضان؟
ج: من أفضل الأدعية وأجمعها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]، وكذلك الأدعية المذكورة في هذا المقال من السنة الصحيحة.
س3: كيف تكون نية الصيام؟ وهل لها دعاء معين؟
ج: النية محلها القلب، وتكون بعقد العزم على صيام اليوم التالي قبل طلوع الفجر، وليس لها صيغة دعاء أو لفظ معين يُقال باللسان، فمجرد استحضار الصيام في القلب عند السحور أو قبل النوم كافٍ.


