في العشر الأواخر من رمضان، يتضاعف فضل الدعاء وتُرجى إجابته، فهي ليالٍ مباركة يتحرى فيها المسلم ليلة القدر، والدعاء هو مخ العبادة، به يتقرب العبد من ربه، ويُظهر افتقاره إليه، فلا غنى للإنسان عن رحمة الله وتوفيقه في كل وقت، وبه نسأله سبحانه أن يهدينا إلى صالح الأعمال، ويرزقنا الثبات على الطاعة، ويجنبنا كل ما يسخطه.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة للعشر الأواخر من رمضان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن أعظم ما يُدعى به في هذه الليالي المباركة:
1، دعاء ليلة القدر
هو أفضل ما يُقال في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي:
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
2، من جوامع الدعاء النبوي
هذا الدعاء من أجمع الأدعية التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، وهو من الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.
(المصدر: سنن ابن ماجه، حديث صحيح).
3، أدعية قرآنية جامعة
القرآن الكريم مليء بالأدعية المباركة التي دعا بها الأنبياء والصالحون، ومنها:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
- دعاء للثبات على الهداية:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].
.
- دعاء للوالدين:
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24].
.
- دعاء للذرية الصالحة:
“رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” [إبراهيم: 40].
.
- دعاء بصلاح الأهل والذرية:
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” [الفرقان: 74].
.
صيغ شائعة تُنسب لليلة الخامس والعشرين من رمضان
تنتشر بين بعض الناس أدعية مخصصة لكل يوم من أيام رمضان، ومنها ما يُنسب لليلة الخامسة والعشرين بالصيغة التالية:
- الصيغة الشائعة: “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِيهِ مُحِبّاً لِأَوْلِيَائِكَ، وَمُعَادِياً لِأَعْدَائِكَ، مُسْتَنّاً بِسُنَّةِ خَاتَمِ أَنْبِيَائِكَ، يَا عَاصِمَ قُلُوبِ النَّبِيِّينَ”.
- الفضل المزعوم: يُذكر مع هذا الدعاء فضلٌ مبالغ فيه بأنه “من دعا به بُني له في الجنة مائة قصر…”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه: هذه الصيغة المخصصة لليوم الخامس والعشرين، وما يرافقها من فضل، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية التي لم يثبت لها أصل.
أدعية عامة جامعة للخير
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ.
- اللَّهُمَّ يَا غَنِيُّ يَا حَمِيدُ، أَغْنِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
- اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي.
- اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
- اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
- اللهم بلِّغنا ليلة القدر، واكتب لنا فيها عظيم الأجر، وغيِّر أقدارَنا إلى أحسنها، واجعلنا من عتقائك من النار.
أبرز الأعمال الصالحة في العشر الأواخر
يُعد هذا الشهر فرصة عظيمة لمضاعفة الحسنات، وتزداد هذه الفرصة في العشر الأواخر التي يُتحرى فيها ليلة القدر، ومن أبرز الأعمال المستحبة:
- قيام الليل: هو دأب الصالحين، وفيه مغفرة للذنوب وقرب من الله تعالى، ويكتسب أهمية خاصة في العشر الأواخر، اقتداءً بالنبي ﷺ الذي كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجدّ وشدّ المئزر.
- تلاوة القرآن بتدبر: رمضان هو شهر القرآن، وتلاوته فيه لها أجر مضاعف، يُستحب للمسلم أن يكون له ورد يومي، مع الحرص على تدبر المعاني والعمل بما فيه.
- الصدقة: كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، والصدقة في هذه الأيام المباركة لها فضل عظيم، سواء كانت مالية أو بإطعام الصائمين أو أي شكل من أشكال البر.
- صلة الرحم: رمضان فرصة لتعزيز الروابط الأسرية، وصلة الأرحام من أسباب سعة الرزق والبركة في العمر، فلا ينبغي الانشغال عنها.
- الإكثار من ذكر الله: يجب أن يكون اللسان رطباً بذكر الله من تسبيح وتهليل واستغفار، خاصة الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، فهي من أسباب تفريج الكروب وقضاء الحوائج.
دعاء ختم القرآن الكريم
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصص لختم القرآن، ولكن استحب السلف الصالح الدعاء عند الختم لأنه موطن من مواطن إجابة الدعاء، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية المأثورة عن بعض السلف أو الأدعية العامة المناسبة:
- اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالقُرْآنِ، وَاجْعَلهُ لِي إِمَاماً وَنُوراً وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ، وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ، وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
- اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
- رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
دعاء للوالدين في الليالي المباركة
الوالدان هما أعظم نعمة، وقد أمر الله بالإحسان إليهما والدعاء لهما، فقال تعالى:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)” [سورة الإسراء، الآيات 23-24].
ومن أفضل ما يُقدم للوالدين في هذه الليالي المباركة هو الدعاء الصادق لهما:
- اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تبسط على والديّ من بركاتك ورحمتك ورزقك.
- اللهم ألبسهما لباس العافية حتى يهنآ بالمعيشة، واختم لهما بالمغفرة حتى لا تضرهما الذنوب، اللهم اكفهما كل هول دون الجنة حتى تبلغهما إياها برحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم ارزقهما الجنة وما يقربهما إليها من قول أو عمل، وباعد بينهما وبين النار وما يقربهما إليها من قول أو عمل.
- اللهم اجعلهما من الذاكرين لك، الشاكرين لك، الطائعين لك، المنيبين إليك.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة إبراهيم، الآية 40.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- سنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل يوجد دعاء مخصص لليلة 25 من رمضان؟
لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص لليلة معينة من ليالي رمضان، والأفضل هو الإكثار من الدعاء بشكل عام، وخاصة دعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”، والالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة.
ما هو أفضل دعاء في العشر الأواخر؟
أفضل دعاء هو ما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لتقوله في ليلة القدر: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، لأنه يجمع طلب أهم ما يحتاجه العبد وهو عفو الله ومغفرته.
ما حكم نشر الأدعية غير الثابتة؟
لا يجوز نسبة دعاء أو فضل معين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه، لأن ذلك يدخل في باب الكذب عليه، أما الدعاء بصيغ عامة ذات معانٍ صحيحة دون نسبتها إلى الشرع أو تخصيصها بوقت أو فضل معين، فلا حرج في ذلك.



