يُعَدُّ شهرُ رمضانَ المبارك موسمًا عظيمًا للتقرُّب إلى الله تعالى بمختلف الأعمال الصالحة، وعلى رأسها الدُّعاءُ، والصَّلاةُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والاستغفارُ، والصَّدقاتُ، ففي هذا الشهر الفضيل، يُضاعِفُ العباد اجتهادهم في التَّضرُّعِ إلى الله سبحانه، راجينَ منه العفو والمغفرة وقبول التوبة، نستقبل رمضان بقلوبٍ تائبةٍ ونفوسٍ خاشعة، مُقبلةٍ على طاعة الله بإخلاصٍ ومحبة.
دعاء اليوم الرابع والعشرين من رمضان: صيغ منتشرة وحكمها الشرعي
ينتشر بين بعض الناس أدعية مخصصة لكل يوم من أيام رمضان، ومنها دعاء يُنسب لليوم الرابع والعشرين، من المهم جدًا معرفة مدى ثبوت هذه الصيغ قبل ترديدها بنية التخصيص.
صيغ شائعة تُنسب لليوم 24 من رمضان
من الأمثلة على ما يتم تداوله دعاء منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم عن طريق ابن عباس رضي الله عنهما، نصه:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِيهِ مَا يُرْضِيكَ، وَأَعُوذُ بِكَ فِيهِ مِمَّا يُؤْذِيكَ، بِأَنْ أُطِيعَكَ وَلَا أَعْصِيَكَ، يَا عَالِماً بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ”.
- فضل مزعوم ومنسوب للدعاء: يُنسب لهذا الدعاء فضل مبالغ فيه جدًا مثل: “من دعا به كتب الله له بعدد كل شعرة في جسده ورأسه ألف خادم…”.
الحكم الشرعي وتنبيه هام
تنبيه هام: هذا الحديث المذكور بفضله المبالغ فيه هو حديث باطل ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في أي من كتب السنة المعتمدة، إن تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين هو أمر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الخير الكافي والبركة العظيمة.
فضل الدعاء في شهر رمضان من السنة الصحيحة
شهر رمضان هو شهر الدعاء بامتياز، حيث تتعدد أوقات الاستجابة وتتنزل الرحمات، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام أوقاته المباركة، خاصة عند الإفطار، لما في ذلك من فضل عظيم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ…”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وهذا الحديث الصحيح يؤكد أن دعوة الصائم مستجابة، فينبغي للمسلم أن يغتنم لحظات الإفطار في الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين بخيري الدنيا والآخرة.
توضيح بخصوص حديث “أوله رحمة”: ينتشر حديث “شهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”، ولكن أهل العلم بالحديث قد حكموا عليه بالضعف الشديد، ورغم ضعف سنده، فإن معناه صحيح بشكل عام، فشهر رمضان كله رحمة ومغفرة وعتق من النار كما دلت على ذلك نصوص صحيحة أخرى.
أفضل الأدعية الثابتة من القرآن والسنة لرمضان وغيره
بدلاً من البحث عن أدعية غير ثابتة، الأولى بالمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأفضل والأكثر بركة.
أدعية من القرآن الكريم
-
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
-
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
[آل عمران: 8].
أدعية من السنة النبوية الصحيحة
- دعاء ليلة القدر:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني)..
- دعاء الثبات على الدين:
“يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني)..
- دعاء جامع للوقاية من الشرور:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ”
(رواه مسلم)..
أدعية عامة جامعة لخيري الدنيا والآخرة
يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية ذات المعاني الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأمثلة:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الْفَائِزِينَ لَدَيْكَ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْكَ بِإِحْسَانِكَ يَا غَايَةَ الطَّالِبِينَ.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زِيَارَةَ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَيَسِّرْ لِي حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَلَا تَحْرِمْنِي فَضْلَكَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نَصِيبًا مِنْ رَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ، وَاهْدِنِي فِيهِ لِبَرَاهِينِكَ السَّاطِعَةِ، وَخُذْ بِنَاصِيَتِي إِلَى مَرْضَاتِكَ الْجَامِعَةِ بِمَحَبَّتِكَ يَا أَمَلَ الْمُشْتَاقِينَ.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الْخَيْرَ كُلَّهُ عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ.
الأعمال المحببة خلال شهر رمضان المبارك
يُعد شهر رمضان فرصة عظيمة لمضاعفة الحسنات وزيادة الأعمال الصالحة، ومن أهم العبادات المستحبة في هذا الشهر:
- تلاوة القرآن الكريم وتدبره: فهو شهر نزول القرآن، والأجر على تلاوته مضاعف.
- الاعتكاف في المساجد: خاصة في العشر الأواخر، للتفرغ للعبادة والذكر.
- صلة الرحم: لما لها من أثر عظيم في توطيد العلاقات ونيل رضا الله.
- الصدقة والإحسان: فضل الصدقة في رمضان عظيم، وهي من أسباب دخول الجنة.
- قيام الليل (التراويح والتهجد): فهو من أفضل العبادات التي تقرب العبد من ربه.
في اليوم الرابع والعشرين من رمضان، وكل أيام الشهر، ينبغي الحرص على هذه الطاعات، فالأعمال بالنيات، والنية الصادقة تجعل العمل مقبولًا ومباركًا.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3593 (دعاء الصائم)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3522 (دعاء ليلة القدر)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3522 (يا مقلب القلوب)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 588 (دعاء الوقاية من الشرور)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يوجد دعاء مخصص لليوم الرابع والعشرين من رمضان؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة وجود دعاء مخصص لكل يوم من أيام رمضان، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة أو بأي دعاء طيب دون تخصيص يوم معين له.
ما هو أفضل دعاء يمكن قوله في رمضان؟
من أفضل الأدعية وأجمعها دعاء “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، وكذلك دعاء ليلة القدر “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، فالدعاء بالعفو والمغفرة من أعظم ما يسأل العبد ربه في هذا الشهر.
ما حكم نشر أدعية رمضان اليومية غير الثابتة؟
لا يجوز نشر الأحاديث والأدعية المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم دون التأكد من صحتها، خاصة تلك التي تحتوي على فضائل مبالغ فيها، لأن ذلك قد يدخل في باب الكذب على النبي، والأولى هو نشر الأدعية الصحيحة الثابتة.



للَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِيهِ مَا يُرْضِيكَ، وَ أَعُوذُ بِكَ فِيهِ مِمَّا يُؤْذِيكَ، بِأَنْ أُطِيعَكَ وَ لَا أَعْصِيَكَ، يَا عَالِماً بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ “.