الدعاء للموتى من أعظم القربات التي تصل إليهم في قبورهم، وهو من السنن الثابتة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها الكفاية والبركة، وفيما يلي بيان للأدعية الصحيحة المأثورة عند زيارة القبور، مع توضيح حكم بعض الصيغ المنتشرة بين الناس.

الأدعية الصحيحة المأثورة عند زيارة القبور

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة عند زيارة القبور، وهي أفضل ما يدعو به المسلم لمن سبقوه إلى دار القرار، من هذه الأدعية الصحيحة:

• ما ورد في حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، قال: كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُهم إذا خرَجوا إلى المقابرِ، فكان قائِلُهم يقولُ:
  

  “السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ.”

  المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 975.

• ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مرَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ بقبورِ المدينةِ فأقبلَ عليْهم بوجْهِهِ، فقالَ:
  

  “السَّلامُ عليْكم يا أَهْلَ القبورِ، يغفِرُ اللَّهُ لنا ولَكم، أنتُمْ سلَفُنا ونحنُ بالأثرِ.”

  المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1053، وقال: “حديث حسن”.

هذه الأدعية النبوية هي الأكمل والأفضل، لما فيها من اتباع للسنة وجمع للمعاني العظيمة من السلام والدعاء بالمغفرة والعافية للأحياء والأموات.

حول الصيغة المنتشرة: “اللهم أدخل على أهل القبور السرور”

يتداول بعض الناس دعاءً بصيغة مطولة تبدأ بـ “اللهم أدخل على أهل القبور السرور”، وتتضمن طلبات عامة للمسلمين، وفيما يلي نص هذه الصيغة كما تنتشر:

• اَللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ.
• اَللَّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقيرٍ.
• اَللَّهُمَّ أَشْبِعْ كُلَّ جائِعٍ.
• اَللَّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيانٍ.
• اَللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدينٍ.
• اَللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوبٍ.
• اَللَّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَريبٍ.
• اَللَّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسيرٍ.
• اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فاسِدٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمينَ.
• اَللَّهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَريضٍ.
• اَللَّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِناكَ.
• اَللَّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ.
• اَللَّهُمَّ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنا مِنَ الْفَقْرِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.

الحكم الشرعي ومدى ثبوت هذه الصيغة

تنبيه هام: هذه الصيغة المذكورة أعلاه، مع ما يُنسب إليها من فضل خاص (كمغفرة الذنوب إلى يوم القيامة عند قراءتها في رمضان)، لم تثبت في كتب السنة المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة (مثل الصحيحين والسنن الأربعة وغيرها) بسند صحيح أو حتى ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه، إنما يُذكر هذا الدعاء في بعض كتب الشيعة، مثل كتاب “المصباح” للكفعمي، منسوبًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والأصل في العبادات، ومنها الأدعية المخصصة بوقت معين أو فضل معين، أنها توقيفية، أي لا تثبت إلا بدليل شرعي صحيح، ومعاني هذا الدعاء في مجملها طيبة ولا حرج فيها، فالدعاء للمسلمين بالرزق والشفاء وتفريج الكروب من أعظم الأعمال، ولكن تخصيصه بصيغة معينة ووقت محدد وفضل خاص دون دليل صحيح يُعد من الأمور المحدثة التي ينبغي تجنبها، وفي الأدعية الثابتة في القرآن والسنة غنية وكفاية.

البديل الصحيح والأدعية العامة النافعة

بدلاً من الالتزام بصيغ لم تثبت، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية العامة التي تحمل معاني الخير للمسلمين أحياءً وأمواتًا، ومن أمثلة ذلك:

• الدعاء بجوامع الكلم من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  [البقرة: 201].

• الدعاء للموتى بصيغ عامة مثل: “اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، اللهم ارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم”.
• الدعاء للمسلمين الأحياء: “اللهم أصلح أحوال المسلمين، واشف مرضاهم، واقضِ الدين عن المدينين، وفرّج كروبهم”.

فالدعاء بابه واسع، والعبرة فيه بصدق التوجه إلى الله والإخلاص، مع الحرص على التمسك بما هو ثابت وصحيح من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو الدعاء الصحيح عند زيارة القبور؟

أصح ما ورد هو قول: “السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ” (رواه مسلم)، وقول: “السَّلامُ عليْكم يا أَهْلَ القبورِ، يغفِرُ اللَّهُ لنا ولَكم، أنتُمْ سلَفُنا ونحنُ بالأثرِ” (رواه الترمذي وحسّنه).

هل دعاء “اللهم أدخل على أهل القبور السرور” ثابت عن النبي؟

لا، هذه الصيغة وما ينسب إليها من فضل خاص لم تثبت في مصادر الحديث المعتمدة عند أهل السنة والجماعة، وإنما وردت في بعض المصادر الشيعية، والأولى للمسلم الالتزام بالأدعية الثابتة في السنة الصحيحة.

هل يجوز الدعاء بالصيغة المنتشرة “اللهم أدخل…”؟

معاني الدعاء العامة (مثل الدعاء للفقير والجائع والمريض) طيبة ومشروعة، لكن المشكلة تكمن في اعتقاد أن هذه الصيغة بحد ذاتها سنة نبوية، أو أن لها فضلاً خاصاً، أو الالتزام بها في وقت معين كشهر رمضان، يمكن الدعاء بمعانيها دون نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقاد فضل خاص بها.

ما هو أفضل ما أقدمه للميت؟

أفضل ما يصل للميت هو الدعاء الصادق له بالرحمة والمغفرة، والصدقة الجارية عنه، والحج أو العمرة عنه، وقضاء ما عليه من ديون أو صيام واجب.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر