الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو صلة مباشرة بين المخلوق والخالق، والأصل في هذه العبادة هو الاتباع، فخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لذا، ينبغي للمسلم أن يحرص على الأدعية والأذكار الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الأكمل والأكثر بركة، وأن يواظب عليها في أوقاتها المشروعة، مثل أدبار الصلوات المكتوبة.
الأذكار والأدعية الصحيحة بعد الصلاة المكتوبة
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الأذكار والأدعية التي يُستحب للمسلم المداومة عليها بعد السلام من الصلاة المفروضة، وهي من أسباب تحصيل الأجر العظيم ومغفرة الذنوب، من هذه الأذكار الصحيحة:
- أن يقول:
“أَسْتَغْفِرُ اللهَ” (ثلاث مرات)، ثم يقول: “اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
-
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”.
(المصدر: صحيح البخاري، صحيح مسلم).
-
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
- التسبيح والتحميد والتكبير: يقول
“سُبْحَانَ اللهِ” (33 مرة)، “الْحَمْدُ لِلَّهِ” (33 مرة)، “اللهُ أَكْبَرُ” (33 مرة)، ثم يتم المئة بقول: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
فمن قال ذلك غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، (المصدر: صحيح مسلم).
- قراءة آية الكرسي
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ…” [البقرة: 255]
مرة واحدة، فمن قرأها دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، (المصدر: السنن الكبرى للنسائي، وصححه الألباني).
- قراءة سور [الإخلاص، والفلق، والناس] مرة واحدة بعد كل صلاة، وثلاث مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب، (المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن).
-
“اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”.
(المصدر: سنن أبي داود، وصححه الألباني).
-
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ”.
(المصدر: صحيح البخاري).
-
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ”.
(المصدر: سنن النسائي، حديث حسن).
صيغ وأدعية شائعة ومنتشرة
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي يدعون بها في أوقات مختلفة كشهر رمضان وبعد الصلوات، هذه الأدعية حسنة في معناها العام، ولكن لم يرد تخصيصها بوقت معين أو صلاة معينة بسند صحيح، من أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ كُلَّهَا، اللَّهُمَّ أَنْعِشْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”، (هذا الدعاء ثابت من أذكار الصباح والمساء، ولكن لم يثبت تخصيصه بما بعد صلاة الفجر).
- “أَسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، ذُو الْجَلالِ وَالإكْرامِ، وَأَسْألُهُ أنْ يَتُوبَ عَليَّ تَوْبَةَ عَبْدٍ ذَليلٍ خاضِعٍ فَقيرٍ بائِسٍ مِسْكينٍ مُسْتَجيرٍ، لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعَاً وَ لا ضَرّاً، وَ لا مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً”.
تنبيه هام حول الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ومعانيها صحيحة في الجملة، ولكن لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كتخصيص لها بعد صلاة معينة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وهي خير ما يدعو به العبد.
الحكم الشرعي للدعاء بعد الصلاة
الدعاء بعد أداء الصلاة أمر مشروع ومستحب، وهو من أوقات إجابة الدعاء، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، سواء بالأدعية المأثورة الصحيحة -وهو الأفضل- أو بأدعية عامة من عنده، شريطة ألا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم.
ويجدر التنبيه إلى أن الأذكار الواردة دبر الصلاة تقال بعد السلام مباشرة، أما الدعاء المطلق فيمكن أن يكون بعدها، أو في مواطن الإجابة الأخرى كالسجود، وهو أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
فضلاً من الله ورحمة، هيأ لعباده أوقاتًا وأحوالًا تكون فيها الاستجابة أقرب، على المسلم اغتنامها والإكثار من الدعاء فيها:
- أثناء السجود: لقول النبي ﷺ:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
- الثلث الأخير من الليل: لقوله ﷺ:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ…”
(المصدر: صحيح البخاري).
- بين الأذان والإقامة: لقوله ﷺ:
“الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
- عند نزول المطر: حيث ورد في حديث حسن أن من أوقات الاستجابة “تحت المطر”.
- دعوة المظلوم: لقوله ﷺ:
“وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”.
(المصدر: صحيح البخاري).
- دعوة المسافر والوالد: لقوله ﷺ:
“ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن).
- دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب: لقوله ﷺ:
“دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
صلاة الحاجة: كيفيتها ودعاؤها المشروع
صلاة الحاجة هي صلاة نافلة يؤديها المسلم عندما تكون له حاجة عند الله تعالى أو عند أحد من خلقه، يطلب من الله قضاءها وتيسيرها.
كيفيتها: هي ركعتان من غير الفريضة، يتوضأ المسلم فيُحسن الوضوء، ثم يصليهما بخشوع، لم يثبت تخصيص قراءة سور معينة فيها، فيقرأ المصلي ما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة.
دعاؤها: بعد الانتهاء من الصلاة، يُثني على الله ويصلي على النبي ﷺ، ثم يدعو بالدعاء الوارد في الحديث الذي حسّنه بعض أهل العلم، وهو:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ”.
(المصدر: سنن الترمذي، وصححه بعض أهل العلم)، ثم يسمي حاجته.
وقتها: يجوز أداؤها في أي وقت من ليل أو نهار، ما عدا أوقات الكراهة (بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس، وعند قيام الشمس في منتصف السماء حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس).
فضل الدعاء ومكانته في الإسلام
الدعاء هو العبادة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ به إلى ربه في كل أحواله، في السراء والضراء، إنه يُظهر افتقار العبد إلى خالقه، ويقوي صلته به، ويمنح النفس سكينة وطمأنينة، ويقيناً بأن الأمر كله بيد الله.
والمداومة على الدعاء، خاصة في الأوقات المباركة كأدبار الصلوات، سبب لنيل رحمة الله، وتفريج الكروب، وتيسير الأمور، فالله تعالى يحب أن يسأله عبده، وقد وعد بالإجابة فقال:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
، فإما أن تُعجّل له دعوته في الدنيا، أو يُصرف عنه من السوء مثلها، أو تُدّخر له في الآخرة، وفي كل ذلك خير.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة غافر، الآية 60.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة
ما هي أفضل الأدعية بعد الصلاة؟
أفضل الأدعية هي الأذكار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الاستغفار ثلاثًا، وقول “اللهم أنت السلام…”، والتسبيحات (33 مرة)، وقراءة آية الكرسي والمعوذات، وغيرها مما ورد في السنة الصحيحة.
هل يجوز الدعاء بأدعية غير واردة في السنة بعد الصلاة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خير الدنيا والآخرة بصيغ من عنده، بشرط ألا يكون في الدعاء إثم أو اعتداء، ولكن الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.
ما هو أفضل موضع للدعاء في الصلاة؟
أفضل موضع للدعاء هو في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”، كما أن الدعاء قبل السلام من الصلاة وبعد التشهد الأخير هو من مواطن الإجابة أيضًا.



