إن الدعاء بعد قراءة سورة البقرة أو بعد أي عبادة من مواطن يُرجى فيها إجابة الدعاء، فالمسلم يتقرب إلى الله تعالى بأحب الأعمال إليه وهو كلامه، ثم يسأله من فضله، ولم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص يُقال بعد الانتهاء من تلاوة سورة البقرة على وجه الخصوص، ولكن يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
أدعية جامعة من القرآن والسنة يُستحب الدعاء بها
بعد إتمام تلاوة سورة البقرة، يُستحب للمسلم أن يرفع يديه ويدعو الله تعالى بما في قلبه، والأولى بالدعاء هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية مباركة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية:
1، الدعاء بآخر آيتين من سورة البقرة
وهو من أعظم ما يُدعى به، فقد ورد في فضل هاتين الآيتين أن من قرأهما في ليلة كفتاه.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)” [البقرة: 285-286]
2، الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة
وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
“كانَ أكْثَرُ دُعَاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، (متفق عليه)
3، دعاء سؤال الهداية والتقى
دعاء عظيم يجمع أصول الفلاح في الدنيا والآخرة.
“اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”، (رواه مسلم)
4، دعاء صلاح الشأن كله
من الأدعية النبوية الجامعة التي تصلح حال العبد في جميع أموره.
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”، (حديث حسن، رواه النسائي)
صيغ دعاء شائعة لم يثبت تخصيصها بعد سورة البقرة
يتداول بعض الناس صيغاً معينة للدعاء بعد قراءة سورة البقرة، وهي في مجملها أدعية خير، ولكن لم يثبت تخصيصها بهذا الموطن بعينه، يمكن الدعاء بها كدعاء عام في أي وقت، ومن أمثلتها:
- اللهم إني أسألك ببركة كلامك المنزل أن ترشدني إلى طريق الهداية وتُيسر لي أمري وتحقق لي ما أرجوه برحمتك يا أرحم الراحمين.
- يا الله أسألك باسمك الأعظم أن تُفرّج همي وتزيل كربي وتمنحني ما أحتاجه بكرمك الذي لا ينفد.
- يا واسع العطاء ارزقني رزقًا حلالًا مُباركًا، ويسّر لي الخير أينما كان، وبارك لي فيه بقدرتك يا كريم.
- اللهم يا من لا تضيع عنده الودائع، اجعل لنا نصيبًا من الخير في كل خطوة نخطوها، وبارك لنا في أيامنا وأعمارنا.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أنها مخصصة لما بعد قراءة سورة البقرة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، والدعاء بها أعظم أجراً وأرجى للقبول.
ما حكم تخصيص دعاء معين بعد قراءة سورة البقرة؟
لا يجوز تخصيص دعاء معين أو صيغة محددة بعد قراءة سورة البقرة والاعتقاد بأن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام، هذا التخصيص يدخل في باب البدع الإضافية، أما الدعاء بشكل عام دون تخصيص صيغة معينة ودون الاعتقاد بسنيتها، فهو أمر مشروع ومستحب، لأن وقت الفراغ من العبادة من أوقات إجابة الدعاء.
فضائل سورة البقرة الثابتة في السنة النبوية
لسورة البقرة مكانة عظيمة وفضائل كثيرة ثبتت بالأدلة الصحيحة من السنة النبوية الشريفة، ومن أبرزها:
- طاردة للشياطين من البيوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ”، (رواه مسلم)
.
- شفاعة وحماية لقارئها يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما”، (رواه مسلم)
.
- بركة وحصن من السحرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ (أي السحرة)”، (رواه مسلم)
.
- تحتوي على أعظم آية في القرآن: وهي آية الكرسي التي تحفظ قارئها من الشيطان.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “كان أكثر دعاء النبي…”، (متفق عليه، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك الهدى والتقى…”، (صحيح مسلم، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث…”، (حديث حسن، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “لا تجعلوا بيوتكم مقابر…”، (صحيح مسلم، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اقرؤوا الزهراوين…”، (صحيح مسلم، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة…”، (صحيح مسلم، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل هناك دعاء صحيح مخصص بعد قراءة سورة البقرة؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية المطهرة دعاء مخصص يُقال بعد الانتهاء من قراءة سورة البقرة، والأصل هو الدعاء بالأدعية العامة من القرآن والسنة أو بما يفتح الله به على عبده.
ما هو أفضل ما يمكن فعله بعد ختم سورة البقرة؟
أفضل ما يمكن فعله هو حمد الله وشكره على نعمة التلاوة، ثم الدعاء بما يشاء المسلم من أمور الدنيا والآخرة، مع الحرص على استخدام الأدعية الجامعة الواردة في القرآن والسنة الصحيحة.
هل صحيح أن الدعاء مستجاب بعد قراءة سورة البقرة؟
الدعاء بعد أي عمل صالح، ومنه تلاوة القرآن، هو من أوقات إجابة الدعاء المرجوة، فالمسلم يكون في حالة قرب من الله بعد الطاعة، فينبغي له اغتنام هذه اللحظات للدعاء بإخلاص ويقين.


