يُعَدُّ تحرِّي ليلة القدر والاجتهاد فيها بالدعاء والعبادة من أعظم القربات، خاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، فضل هذه الليلة عظيم، ومنزلتها رفيعة؛ فهي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن، ووصفها في كتابه الكريم بأنها خير من ألف شهر، حيث قال تعالى في سورة القدر:
“لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: 3]
لذا، ينبغي على كل مسلم اغتنام هذه الفرصة الثمينة بالإكثار من الدعاء والقيام والتقرب إلى الله تعالى، بيقين صادق ونية خالصة، طمعًا في مغفرة الذنوب، وإجابة الدعوات، ونيل الأجور العظيمة.
دعاء ليلة القدر الثابت عن النبي ﷺ
إن أفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القدر هو الدعاء الذي علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهذا الدعاء هو المأثور الصحيح الذي ينبغي الإكثار منه في هذه الليلة المباركة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
المصدر: رواه الترمذي (3513) وابن ماجه (3850)، وهو حديث صحيح.
شرح موجز للدعاء: اسم الله “العفو” يعني الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن الذنوب، فالمسلم يسأل الله تعالى أن يمحو ذنوبه وآثامها كأن لم تكن، وهو من أجمع الأدعية لطلب المغفرة والرحمة.
أدعية عامة وجوامع خير لليلة القدر
بعد الالتزام بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، فباب الدعاء واسع، وهذه أمثلة لصيغ دعاء عامة يمكن للمسلم أن يدعو بها، وهي تجمع الخير والبركة، مع التنبيه أنها لم ترد بلفظها المحدد في السنة النبوية، بل هي من الأدعية العامة التي يجوز الدعاء بها:
- “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، [البقرة: 201].
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ أَنْ تَكْتُبَنَا مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا مِنَ النَّارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.
- اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.
- يَا رَبِّ، إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، فَاجْعَلْ لَنَا فِيهَا نَصِيبًا مِنْ رَحْمَتِكَ وَمَغْفِرَتِكَ وَعِتْقِكَ مِنَ النَّارِ، وَارْزُقْنَا فِيهَا تَوْفِيقًا وَهِدَايَةً وَإِجَابَةً لِدُعَائِنَا يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
تنبيه هام حول الأدعية المخصصة لليلة القدر
تنبيه هام: تنتشر بين الناس بعض الأدعية بصيغ محددة تُنسب فضلًا خاصًا لليلة القدر دون وجود دليل صحيح يثبت ذلك، الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، أنها توقيفية، أي يجب الالتزام فيها بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كافية ومباركة، وهي خير ما يُدعى به، أما الدعاء بصيغ عامة لم ترد في السنة، فهو جائز ما لم يتضمن محظورًا شرعيًا، ولكن لا يجوز اعتقاد أن لها فضلًا خاصًا أو أنها سنة متبعة.
فضل الاجتهاد في العشر الأواخر
تُعدّ الليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان أرجى الليالي التي قد تكون فيها ليلة القدر، لذا، ينبغي على المسلم أن يزيد من اجتهاده في هذه الليالي بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء، تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، ويوقظ أهله، ويشد مئزره، إشارة إلى الجد في العبادة واعتزال النساء.
اغتنام هذه الليالي فرصة عظيمة للتوبة الصادقة والعودة إلى الله، وطلب العون منه على الطاعة، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، فالله سبحانه جواد كريم، يحب أن يسأله عباده، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
المصادر والمراجع
- سورة القدر، الآية 3.
- سورة البقرة، الآية 201.
- جامع الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3850، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: ما هو أفضل دعاء يقال في ليلة القدر؟
ج1: أفضل دعاء هو ما ورد في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
س2: هل يجوز الدعاء بأدعية أخرى غير الدعاء المأثور؟
ج2: نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ولكن الأفضل هو البدء بالدعاء المأثور والإكثار منه، ثم الدعاء بما يحتاجه.
س3: متى تبدأ ليلة القدر ومتى تنتهي؟
ج3: تبدأ ليلة القدر من غروب شمس ليلتها وتنتهي بطلوع الفجر، وهي في العشر الأواخر من رمضان، وأرجى ما تكون في الليالي الوترية منها (ليلة 21، 23، 25، 27، 29).

