يعد نزول المطر من أعظم النعم والآيات الدالة على قدرة الله ورحمته، فهو سبب الحياة للأرض ومصدر للخير والبركة، ويحرص المسلم على اغتنام هذا الوقت المبارك بالدعاء، حيث إنه من المواطن التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، استناداً لما ورد في السنة النبوية الشريفة.
فقد جاء في الحديث الذي حسّنه الألباني:
“ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر”
(حسنه الألباني في صحيح الجامع)، لذا، يستشعر المؤمن عند رؤية الغيث قرباً خاصاً من ربه، فيرفع يديه متضرعاً، ويسأله من خيري الدنيا والآخرة بقلبٍ حاضرٍ ونفسٍ مطمئنة.
الأدعية الثابتة في السنة النبوية عند نزول المطر
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكلمات الجامعة المباركة التي فيها الخير كله، وفيما يلي أبرز الأدعية الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والمتعلقة بالمطر:
1، دعاء عند بدء نزول المطر
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر أن يدعو بالبركة والنفع، فيقول:
“اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا”
المصدر: رواه البخاري في صحيحه (حديث رقم 1032).
المعنى: أي اجعله يا الله مطراً نافعاً للعباد والبلاد، خالياً من الضرر والأذى.
2، دعاء إذا اشتد المطر وخُشِيَ ضرره
إذا زاد المطر عن حده وأصبح يُخشى منه الضرر، يُسن الدعاء بأن يصرفه الله إلى أماكن لا تتضرر به، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ”
المصدر: رواه البخاري في صحيحه (حديث رقم 1014).
المعنى: دعاء بأن ينزل المطر حول المدينة لا عليها، وعلى المرتفعات من الأرض والجبال الصغيرة ومجاري السيول والأماكن التي تنبت فيها الأشجار، لينتفع به الزرع والدواب دون أن يلحق الضرر بالبيوت والناس.
3، دعاء بعد انتهاء المطر
بعد انقشاع السحاب وتوقف المطر، يُسن للمسلم أن ينسب هذه النعمة إلى الله وحده، شكراً له على فضله ورحمته، فيقول:
“مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ”
المصدر: متفق عليه، رواه البخاري (846) ومسلم (71).
المعنى: إقرار واعتراف بأن المطر نزل بفضل الله ورحمته، وليس بتأثير النجوم أو الكواكب كما كانت تعتقد العرب في الجاهلية.
أدعية عامة يُمكن الدعاء بها عند نزول المطر
إلى جانب الأدعية النبوية المخصصة، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، كطلب الرزق، أو تحقيق الأمنيات، أو صلاح الأبناء، فباب الدعاء واسع، وفيما يلي بعض الصيغ العامة التي يمكن الاستئناس بها:
دعاء لتحقيق الأمنيات
- اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الرَّحْمَةِ وَيَا مُجِيبَ الدُّعَاءِ، مَعَ نُزُولِ هَذَا الْمَطَرِ أَسْأَلُكَ أَنْ تُحَقِّقَ لِي كُلَّ أُمْنِيَةٍ فِي قَلْبِي، وَأَنْ تَرْزُقَنِي رِزْقًا يُبَارَكُ لِي فِيهِ، وَأَنْ تَرْضَى عَنِّي وَتُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، وَتُطَهِّرَ قَلْبِي مِنْ كُلِّ إِثْمٍ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
- يَا اللهُ، مَعَ قَطَرَاتِ الْمَطَرِ الَّتِي تَغْسِلُ الْأَرْضَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْسِلَ بِهَا ذُنُوبِي، وَأَنْ تُحَقِّقَ لِي مَا أَتَمَنَّى، وَتَرْزُقَنِي مِنْ نِعَمِكَ الْوَاسِعَةِ، وَأَنْ تَهْدِيَ قَلْبِي وَتُنَقِّيَهُ، وَلَا تَجْعَلْنِي أَرْحَلُ عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَّا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنِّي.
- يَا رَبِّ، مَعَ هَذَا الْمَطَرِ الْخَيِّرِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَكُونَ سَنَدِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْ تَرْزُقَنِي رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا يُغْنِينِي عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ، وَأَنْ تُجَنِّبَنِي كُلَّ مَكْرُوهٍ وَتُبْعِدَ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ، وَتُحَقِّقَ لِي الْخَيْرَ بِفَضْلِكَ يَا اللهُ.
- يَا رَبِّ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ الْمُبَارَكَةِ، فَلَا تَرُدَّنِي خَائِبًا، وَأَكْرِمْنِي بِمَا أَتَمَنَّى وَأَكْثَرَ، وَاجْعَلِ الْخَيْرَ حَاضِرًا فِي حَيَاتِي، وَيَسِّرْ لِي كُلَّ عَسِيرٍ، فَأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْ يُعْطِي وَأَعْظَمُ مَنْ يُجِيبُ.
دعاء لتيسير الحوائج وجلب الرزق
- اللَّهُمَّ مَعَ نُزُولِ الْمَطَرِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْعِمَ عَلَيَّ بِرِزْقٍ طَيِّبٍ وَحَلَالٍ يُبَارِكُ لِي فِي أُمُورِي وَيُغَيِّرُ حَالِي إِلَى أَحْسَنِهِ، وَاجْعَلْنِي دَائِمَ الْقُرْبِ مِنْكَ، وَأَعِذْنِي مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْعِمْ عَلَيَّ بِالسِّتْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
- يَا اللهُ، ارْزُقْنِي مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مَا يَفُوقُ طَمُوحِي، وَامْنَحْنِي السَّعَادَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَامْلَأْ قَلْبِي فَرَحًا وَحَيَاتِي تَوْفِيقًا، وَخُصَّنِي بِرِزْقٍ يُغْنِينِي عَنْ خَلْقِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ كَمَا أَنْزَلْتَ عَلَيْنَا الْمَطَرَ، ارْزُقْنَا مِنْ فَضْلِكَ رِزْقًا وَاسِعًا دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ طَرِيقٍ خَيْرًا وَبَرَكَةً، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلْمِ وَأَهْلِهِ، وَاحْفَظْنَا بِعِنَايَتِكَ مِنْ كُلِّ أَذًى وَشَرٍّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا اللهُ، كَمَا تَنْسَابُ قَطَرَاتُ الْمَطَرِ، أَسْبِغْ عَلَيْنَا جَبْرًا يُسْعِدُ أَرْوَاحَنَا وَيُزِيحُ هُمُومَنَا، وَنَسْأَلُكَ فَرَحًا لَا يَعْقُبُهُ كَدَرٌ، وَعِوَضًا كَرِيمًا بَعْدَ الصَّبْرِ، وَثَبَاتًا عَلَى دِينِكَ يَا وَاسِعَ الْكَرَمِ.
دعاء لحفظ الأبناء
- يَا رَبِّ، كَمَا تُنْزِلُ عَلَيْنَا الْمَطَرَ بِرَحْمَتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْمِيَ أَبْنَائِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمَكْرُوهٍ، وَأَنْ تَجْعَلَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الْبَارِّينَ، وَأَنْ تُكْرِمَهُمْ بِعَطَاءٍ وَاسِعٍ، وَتَغْفِرَ لَهُمْ، وَتُعَافِيَهِمْ وَتَحْفَظَهُمْ.
- اللَّهُمَّ عِنْدَمَا يَنْزِلُ مَطَرُكَ الَّذِي هُوَ رَمْزُ رَحْمَتِكَ، اجْعَلْ لِأَبْنَائِي نَصِيبًا مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ، وَاحْمِهِمْ مِنْ كُلِّ أَذًى، وَامْنَحْهُمْ رَاحَةَ الْقَلْبِ وَصَلَاحَ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَارْزُقْهُمُ التَّوْفِيقَ فِي دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ.
- يَا اللهُ يَا مَنْ تُنْزِلُ الْغَيْثَ رَحْمَةً لِعِبَادِكَ، أَسْأَلُكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُبَارَكِ أَنْ تَهَبَ أَبْنَائِي الْهِدَايَةَ وَالتَّقْوَى، وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَوْنًا وَسَنَدًا، وَأَنْ تَغْسِلَ قُلُوبَهُمْ بِرَحَمَاتِكَ كَمَا تَغْسِلُ الْأَمْطَارُ الْأَرْضَ.
- رَبِّ، احْفَظْ أَوْلَادِي بِقُدْرَتِكَ الَّتِي أَحَاطَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَاجْعَلْ حَيَاتَهُمْ مَلِيئَةً بِالْخَيْرِ وَالنُّورِ، وَافْتَحْ أَمَامَهُمْ أَبْوَابَ النَّجَاحِ، وَامْنَحْهُمُ الْحِمَايَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ بِعَفْوِكَ يَا كَرِيمُ.
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت كنصوص محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهو الأكمل والأفضل والأكثر بركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية الطيبة التي ليس فيها إثم أو قطيعة رحم، خاصة في أوقات إجابة الدعاء مثل وقت نزول المطر.
فنزول المطر علامة من علامات الخير والرحمة، يغدقها الله على عباده، فيُحيي به الأرض، وينعش الأرواح، ويبث الطمأنينة، ومع هذه النعمة، يأتي شعور بالسكينة يدفع الإنسان للاقتراب أكثر من الله واللجوء إليه بالدعاء الخالص، الذي له أثر بالغ في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
المصادر والمراجع
- حديث “ثنتان ما تردان…”، (حسنه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم 3078، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا”، (صحيح البخاري، حديث رقم 1032، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 1014، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ”، (صحيح البخاري، حديث رقم 846، وصحيح مسلم، حديث رقم 71، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو الدعاء الصحيح الذي يقال عند نزول المطر؟
الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند بدء نزول المطر هو: “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا” (رواه البخاري).
هل الدعاء وقت المطر مستجاب حقاً؟
نعم، يُعد وقت نزول المطر من أوقات إجابة الدعاء المرجوة، استناداً لحديث: “ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر” وهو حديث حسن، وهذا يعني أن فرصة قبول الدعاء تكون أكبر في هذا الوقت المبارك.
هل يجوز الدعاء بأدعية أخرى غير الواردة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من خير، سواء كان لطلب الرزق أو الشفاء أو صلاح الأبناء أو غيرها من حوائج الدنيا والآخرة، بشرط ألا يكون في الدعاء إثم أو اعتداء، ولكن يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل.
 
		
