المحبة رابط إيماني وأساس في العلاقات الإنسانية، فهي التي تجمع القلوب وتُعزز التآلف بين الأفراد، وتُسهم في بناء مجتمع متراحم، إن غياب المحبة الصادقة يؤدي إلى التباعد والجفاء، ويجعل التواصل صعبًا، لذا، فإن الدعاء لمن نحب هو أعظم تعبير عن هذه المحبة، وأصدق هدية يمكن تقديمها، حيث يتجلى فيه الإيثار والحرص على نفع الآخر في الدنيا والآخرة.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة للأحبة
إن أفضل ما يُهدى للحبيب هو الدعاء له بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية جامعة للخير، مباركة، وثابتة المصدر، ومن هذه الأدعية:
1، الدعاء بأن يحبهم الله ويحبهم الناس
من أعظم ما تدعو به لمن تحب أن يرزقه الله محبته ومحبة عباده الصالحين، وقد ورد في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3209 (حديث صحيح).
فيمكنك أن تدعو فتقول: “اللهم اجعله ممن أحببتهم ووضعت لهم القبول في الأرض”.
2، الدعاء للوالدين بالرحمة
من أعظم صور المحبة والبر هو الدعاء للوالدين، وقد علمنا الله تعالى كيفية الدعاء لهما في كتابه الكريم:
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”
المصدر: سورة الإسراء، الآية 24.
3، دعاء التحصين من كل شر
من السنة النبوية أن تحصن أحباءك بالدعاء لهم صباحًا ومساءً، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3371 (حديث صحيح).
ومن الأذكار العظيمة للحفظ قراءة هذا الدعاء ثلاث مرات صباحًا ومساءً:
“بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3388 (حديث حسن صحيح).
أمثلة على صيغ دعاء عامة للأحبة
إلى جانب الأدعية الثابتة، يمكن للمسلم أن يدعو لأحبته بما يفتح الله عليه من صيغ عامة تحمل معاني الخير، ما دامت لا تحتوي على محظور شرعي، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَهُ (أو لها) الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى، وَأَنْ تُبَارِكَ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَرِزْقِهِ وَعَمَلِهِ.
- يَا رَبِّ، أَسْعِدْ قَلْبَهُ بِمَا يَتَمَنَّى، وَافْتَحْ لَهُ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَارْزُقْهُ الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ وَالخَاتِمَةَ الحَسَنَةَ.
- اللَّهُمَّ كَمَا أَضَأْتَ الكَوْنَ بِنُورِ شَمْسِكَ، فَأَضِئْ قَلْبَهُ بِنُورِ حُبِّكَ، وَارْزُقْهُ صِحَّةً وَعَافِيَةً وَرِزْقًا وَاسِعًا.
- أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي جَمَعَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، أَنْ يَجْمَعَنَا فِي جَنَّتِهِ دَارِ القَرَارِ.
صيغ منتشرة للتحصين وتنبيه مهم
ينتشر بين الناس بعض الصيغ المركبة والمطولة للدعاء والتحصين، ومن أمثلتها:
- “حصنته بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل…”.
تنبيه هام: هذه الصيغة وأمثالها هي مما يتداوله بعض الناس، وهي عبارة عن تجميع لأدعية وأذكار مختلفة، لم تثبت بهذا التركيب المخصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، وإن كان معنى هذه الصيغ صحيحًا في مجمله، فلا يجوز اعتقاد أن لها فضلًا خاصًا أو أنها من السنة النبوية.
حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة
الأصل في الدعاء أنه جائز بأي صيغة ليس فيها إثم أو اعتداء، ما دام المسلم لا يعتقد أنها من السنة أو أن لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل، ومع ذلك، فإن الالتزام بالأدعية القرآنية والنبوية هو الأكمل والأفضل والأعظم بركة، لأنها من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الأسلم من الخطأ والزلل.
مكانة المحبة في الدين الإسلامي
المحبة بين المسلمين من المقاصد العظيمة التي أكد عليها الإسلام، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تحقيق المودة والأخوة، لتكون الأمة كالجسد الواحد، قال صلى الله عليه وسلم:
“لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 54 (حديث صحيح).
وهذا يستلزم قلبًا نقيًا من الغل والحسد والبغضاء، فالقلب السليم هو الذي ينجو به صاحبه يوم القيامة، كما قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:
“يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)”
المصدر: سورة الشعراء، الآيتان 88-89.
المصادر والمراجع
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة الشعراء، الآيتان 88-89.
- صحيح البخاري، حديث رقم 3209، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 3371، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 54، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3388، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يمكن أن أقوله لمن أحب؟
أفضل الأدعية هي تلك الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يحبه الله، وأن يحفظه من كل سوء، الدعاء الصادق النابع من القلب هو هدية عظيمة في حد ذاته.
هل يجوز الدعاء لشخص بصيغة من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة طيبة ليس فيها اعتداء أو مخالفة شرعية، كأن تدعو له بالنجاح أو السعادة أو صلاح الحال، لكن الأكمل والأفضل هو الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بما في قلبك.
كيف أتحقق من صحة دعاء أو حديث منتشر؟
يجب الرجوع إلى المصادر الموثوقة للتحقق من صحة الأحاديث والأدعية المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، من أبرز هذه المصادر كتب الحديث المعتمدة كصحيح البخاري ومسلم، ويمكن الاستعانة بمواقع إلكترونية موثوقة مثل “الدرر السنية” للبحث عن درجة صحة الحديث.
