إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والرقية الشرعية هو الحصن المنيع للمسلم في مواجهة ما قد يصيبه من شرور، كالسحر والحسد والعين، وقد ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة أن لهذه الأمور تأثيراً بإذن الله، كما ثبت فيهما العلاج الناجع والوقاية الكاملة، فالسحر من كبائر الذنوب وأشد الآفات خطراً، لما يسببه من ضرر في دين المرء ودنياه، قال تعالى في ذمّه:
“وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ” [البقرة: 102]
، لذا، فإن العلاج لا يكون إلا بما شرعه الله تعالى، فهو وحده الشافي والكافي.
الرقية الشرعية الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية
العلاج الأساسي والأمثل للسحر والحسد والعين يكون بالرقية الشرعية، وهي الأدعية والآيات التي وردت في الكتاب والسنة، يجب أن يكون المسلم على يقين تام بأن النفع والضر بيد الله وحده، وهذه الأسباب الشرعية لا تنفع إلا بإذنه، من أهم ما يُرقى به:
1، الرقية بآيات من القرآن الكريم:
- سورة الفاتحة: تُقرأ وتُنفث على المريض، فهي الشافية الكافية بإذن الله.
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، ولها فضل عظيم في الحفظ من الشياطين والسحرة.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…” [البقرة: 255]
.
- أواخر سورة البقرة: قراءة آخر آيتين من سورة البقرة في ليلة تكفي من كل شر.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ…” [البقرة: 285-286]
.
- المعوذات (الإخلاص والفلق والناس): تُقرأ ثلاث مرات في الصباح والمساء، وتُقرأ على المريض مع النفث، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن.
2، أدعية نبوية صحيحة للرقية والتحصين:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية عظيمة للرقية والشفاء، منها:
- دعاء جبريل عليه السلام للنبي:
“بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث صحيح).
- دعاء الشفاء العام:
“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
- الاستعاذة بكلمات الله التامات:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث صحيح)، يُقال ثلاث مرات صباحًا ومساءً.
صيغ وأدعية منتشرة بين الناس
يتداول بعض الناس صيغاً وأدعية بنوايا حسنة للرقية والعلاج، وهذه بعض الأمثلة عليها:
- “اللَّهُمَّ أخرجْ كُلَّ عينٍ أُصيبتْ فَنَظرتْ واستحسنَتْ وتأمَّلتْ وتمَعَّنَتْ وتأثَّرَتْ..، اللَّهُمَّ ابطِلْ أثرَ كُلِّ عينٍ أصابَتَ الروحَ والنَّفسَ وأضعفَتْهُما…”.
- “اللّهُمّ يا مَن كشفَ الضرَّ عن عبدك أيوب..، نَسألكَ أن ترفع عنّا كل عين حاسدة وكل نظرة جارحة..، وتنقلب على صاحبها…”.
- “لا إله إلا الله عدد ما مشى في السماوات والأرضين ودرج، لا إله إلا الله بيده مفاتيح الفرج…”.
تنبيه هام وحكم هذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء والرقية عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
يجوز الدعاء بأدعية عامة لم ترد بلفظها في السنة، بشرط ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء (مثل الدعاء برد السحر على الساحر) أو ألفاظ شركية أو بدعية، والأفضل والأكمل هو الالتزام بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعلم الخلق بما يُدعى به الله.
علامات قد تشير إلى الإصابة بالعين أو السحر
يذكر أهل العلم والرقاة الشرعيون بعض الأعراض التي قد تظهر على الشخص المصاب، ولكن من المهم التأكيد على أن هذه العلامات ليست دليلاً قاطعاً، وقد تتشابه مع أعراض أمراض عضوية أو نفسية، لذا، يجب على المسلم أولاً مراجعة الأطباء المختصين، فإن لم يكن هناك سبب طبي واضح، يمكنه اللجوء للرقية الشرعية، من هذه العلامات المحتملة:
- النفور المفاجئ من العبادات: الشعور بثقل وضيق عند ذكر الله أو الصلاة أو قراءة القرآن.
- تغيرات سلوكية حادة: نفور غير مبرر من الأهل أو الزوج، أو ميل شديد للعزلة والانطواء.
- أعراض جسدية غير مفسرة طبياً: صداع شديد متنقل، شحوب في الوجه، خمول وكسل دائم، أو آلام متفرقة في الجسد.
- الأحلام المزعجة والكوابيس: تكرار رؤية أحلام مفزعة، كالوقوع من مكان مرتفع أو رؤية حيوانات مفترسة تطارده.
- شرود الذهن والنسيان: ضعف شديد في التركيز والذاكرة بشكل ملحوظ ومفاجئ.
أدعية عامة للشفاء ورفع البلاء
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي دعاء طيب يفتح الله به عليه، طالما أن معناه صحيح ولا يخالف الشرع، ومن الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها لطلب الشفاء ورفع الضر:
- اللَّهُمَّ يا واسعَ العطاء، يا منزلَ الشفاء، يا رافعَ البلاء، يا مجيبَ الدعاء، نسألكَ برحمتكَ أن تنزِّل علينا رحمةً من عِندكَ وشفاءً من شفائك، تُزيل به كل مرضٍ وألمٍ وبلاء.
- يا حيُّ يا قيوم، يا بديع السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرام، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
- اللَّهُمَّ أنتَ رَبِّي لا إلهَ إلا أنتَ، عليكَ توكلتُ وأنتَ رَبُّ العرشِ العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم، (من أذكار الصباح والمساء).
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 102.
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- حديث “بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ…”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ…”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ…”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو العلاج الشرعي الصحيح للسحر والحسد؟
العلاج الشرعي يكون بالرقية الشرعية الثابتة من القرآن والسنة، والمحافظة على الأذكار اليومية (أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم)، والإكثار من الدعاء، والصدقة، والتوبة إلى الله، واليقين التام بأن الشفاء بيده سبحانه.
هل يجوز الذهاب إلى من يدعي العلاج بطرق غريبة؟
لا يجوز مطلقاً الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهنة، فهذا من كبائر الذنوب وقد يصل إلى الكفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً” (صحيح مسلم)، والعلاج يكون فقط بما شرعه الله.
ما هو أفضل وقت للدعاء لرفع البلاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكنه يُستحب في أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل دعاء رد السحر على الساحر مشروع؟
الأولى والأفضل للمسلم أن يدعو لنفسه بالشفاء والعافية، وأن يفوض أمره إلى الله لينتقم له ممن ظلمه، فالله هو العدل وهو أحكم الحاكمين، الانشغال بالدعاء على الظالم قد يشغل القلب عن التضرع الخالص لله بطلب الشفاء، يمكن الدعاء بقول “اللهم اكفنيهم بما شئت” وهو دعاء نبوي جامع.
