يُعَدُّ الدعاء بعد ختم القرآن الكريم من اللحظات المباركة التي يُستحب للمسلم أن يتوجه فيها إلى الله بقلبٍ خاشع، طالبًا خيرَي الدنيا والآخرة، ورغم عدم ورود صيغة دعاء واحدة ملزمة في القرآن أو السنة الصحيحة، فقد وردت عن السلف الصالح ودرج المسلمون على الدعاء بأدعية جامعة، سواء للنفس أو لإهداء الثواب للموتى، وفي هذا المقال، نستعرض بعض الأدعية المأثورة والعامة، مع توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بها لضمان الموثوقية والأصالة.
أدعية عامة يُستحب الدعاء بها عند ختم القرآن
يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الصيغ العامة التي تجمع معاني الخير والبركة:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ القُرْآنَ العَظِيمَ لِقُلُوبِنَا ضِيَاءً، وَلِأَبْصَارِنَا جَلَاءً، وَلِأَسْقَامِنَا دَوَاءً، وَلِذُنُوبِنَا مُمَحِّصًا، وَعَنِ النَّارِ مُخَلِّصًا.
- يَا رَبِّ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَهْدِيَنَا لِصِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ، وَأَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ الكَرِيمَ نُورًا يُنِيرُ قُلُوبَنَا، وَيُزِيلُ عَنَّا كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ، وَيَغْمُرُنَا بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَاجْعَلْ تِلَاوَتَنَا وَخَتْمَتَنَا لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ شَاهِدًا لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ، وَزَوِّدْنَا بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجَلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا.
صيغ شائعة تُنسب لختم القرآن في المذهب الشيعي
تنتشر بين أتباع المذهب الشيعي صيغ معينة للدعاء عند ختم القرآن، يُذكر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام، ومن أشهر هذه الصيغ المتداولة ما يلي:
- صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، وَصَدَقَ رَسُولُهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ، وَصَدَقَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَصَدَقَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَصَدَقَ الأَئِمَّةُ المَعْصُومُونَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَصَدَقَ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ الكِرَامُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
- نَحْنُ نَشْهَدُ بِذَلِكَ وَنُقِرُّ بِهِ مُوقِنِينَ غَيْرَ مُنْكِرِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ، وَنَسْأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى الإِيمَانِ وَالشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ، وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ كِتَابِكَ الكَرِيمِ وَأَجْرَ مَا قَرَأْنَاهُ خَالِصًا لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ؛ لِيَكُونَ هَدِيَّةً مَقْبُولَةً وَرَحْمَةً نَازِلَةً إِلَى رُوحِ نَبِيِّكَ المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
- وَأَلْحِقْ بِذَلِكَ الثَّوَابَ إِلَى أَرْوَاحِ الأَوْصِيَاءِ الطَّاهِرِينَ، وَإِلَى رُوحِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ المُرْتَضَى، وَإِلَى رُوحِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَإِلَى رُوحِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ الأَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَإِلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
تنبيه وإخلاء مسؤولية هام
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس وتشتهر في بعض الأوساط، ولم تثبت بسند متصل وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أهل بيته بهذا التخصيص، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، أو الدعاء بما يفتح الله به على عبده من الخير، فكل ذلك كافٍ ومبارك.
حكم تخصيص دعاء معين لختم القرآن
أجمع العلماء على استحباب الدعاء بعد ختم القرآن الكريم، فهو من مواطن إجابة الدعاء، لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء معين مخصص لختم القرآن، ولذلك، فإن تخصيص دعاء بعينه واعتقاد أن له فضيلة خاصة أو أنه سنة واجبة لا أصل له في الشرع، والأفضل للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية الجامعة والمأثورة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة دون التزام بصيغة محددة.
أدعية مأثورة للمتوفى عند ختم القرآن
إهداء ثواب قراءة القرآن للميت من الأعمال التي يصل ثوابها إليه بإذن الله، ويُستحب الدعاء له بعد الختم، وهذه بعض الأدعية التي يمكن الدعاء بها:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ هَذِهِ الخَتْمَةِ وَنُورَهَا وَبَرَكَتَهَا فِي صَحِيفَةِ (يُذكر اسم المتوفى)، وَارْفَعْ بِهَا دَرَجَتَهُ، وَثَقِّلْ بِهَا مِيزَانَهُ، وَأَنْرِ بِهَا قَبْرَهُ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، اللَّهُمَّ نَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
- يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، ثَبِّتْهُ عِنْدَ السُّؤَالِ، وَآمِنْهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَاجْعَلْ مَأْوَاهُ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ اجْبُرْ كَسْرَ قُلُوبِ أَهْلِهِ وَذَوِيهِ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالصَّبْرِ وَالسُّلْوَانِ، وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
المصادر والمراجع
- الأدعية العامة مأخوذة من جوامع الدعاء المأثور عن السلف الصالح، وهي لا تتعارض مع أصول الشريعة.
- مبدأ الدعاء عند ختم القرآن واستحبابه ثابت بأقوال العلماء والفقهاء استنادًا لعموم فضل الدعاء في الأوقات المباركة.
- يمكن مراجعة الأحكام الشرعية العامة المتعلقة بالدعاء والعبادات على المواقع الموثوقة للمراجع الدينية، مثل الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني للاطلاع على آرائه الفقهية.
- للتأكد من صحة الأحاديث النبوية، يمكن الرجوع إلى موسوعات الحديث المعتبرة مثل موسوعة الدرر السنية.
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو فضل الدعاء بعد ختم القرآن؟
الدعاء بعد ختم القرآن مستحب وهو من مواطن استجابة الدعاء، حيث يجتمع فضل كلام الله مع خشوع العبد بعد إتمام هذه العبادة العظيمة، فيكون الدعاء أرجى للقبول.
هل يوجد دعاء محدد وواجب لختم القرآن؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء محدد وملزم لختم القرآن، والأمر في ذلك واسع، فيمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الصحيحة والمأثورة أو بما يجول في خاطره من الخير.
هل يجوز إهداء ثواب ختم القرآن للميت؟
نعم، إهداء ثواب الأعمال الصالحة كقراءة القرآن للميت هو أمر جائز ومشروع عند جمهور أهل العلم، ويصل ثوابه للميت بإذن الله وينفعه في قبره.

