عند زيارة المدينة المنورة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُستحب للمسلم أن يُكثر من الدعاء والذكر، مستشعرًا عظمة المكان وبركته، وقد وردت عن النبي ﷺ وأصحابه الكرام آداب وأدعية تتعلق بهذه البقعة الطاهرة، من أهمها زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، ثم السلام على النبي ﷺ وصاحبيه، وزيارة مقبرة البقيع وشهداء أُحد للدعاء لهم والترحم عليهم.
أدعية صحيحة ثابتة عن النبي ﷺ للمدينة المنورة
لم يثبت دعاء بخصوصه يُقال عند أول دخول للمدينة، ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو للمدينة بالبركة في مناسبات مختلفة، وهذه الأدعية هي خير ما يدعو به المسلم لمدينة رسول الله وأهلها:
- دعاء طلب البركة في المدينة: وهو من أشهر الأدعية وأجمعها، حيث كان النبي ﷺ يدعو به ليزيد الله المدينة بركة على بركة مكة.
“كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ“.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1373، (حديث صحيح).
- دعاء محبة المدينة وصلاحها: دعاء عظيم يعكس حب النبي ﷺ للمدينة، وسؤاله الله أن يجعلها محبوبة للمسلمين وأن يرفع عنها الوباء.
“اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ“.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1889، (حديث صحيح).
- دعاء مضاعفة البركة:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ“.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1885، (حديث صحيح).
الآداب الشرعية لزيارة المدينة المنورة
تحمل المدينة المنورة مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، ولكي تكون الزيارة مقبولة ومباركة، يُستحب للزائر الالتزام بالآداب الشرعية التالية:
- إخلاص النية: أن تكون نية الزيارة خالصة لله تعالى، بقصد الصلاة في المسجد النبوي والتقرب إلى الله بالطاعات.
- الاغتسال والتطيب: يُستحب الاغتسال والتطيب ولبس أفضل الثياب عند التوجه للمسجد النبوي، تعظيمًا لشعائر الله.
- دخول المسجد: الدخول بالقدم اليمنى وقول دعاء دخول المسجد: “بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”.
- تحية المسجد: صلاة ركعتين تحية للمسجد قبل الجلوس.
- السلام على النبي ﷺ وصاحبيه: التوجه إلى القبر الشريف بأدب وسكينة، والوقوف أمامه وقول: “السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ”، ثم التحرك قليلًا لليمين للسلام على أبي بكر الصديق، ثم على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
- خفض الصوت والسكينة: يجب على الزائر خفض صوته في المسجد النبوي، خاصة عند القبر الشريف، تأدبًا مع رسول الله ﷺ.
- تجنب البدع والمخالفات: الحذر من التمسح بالجدران أو الأبواب طلبًا للبركة، أو دعاء النبي ﷺ وطلب الحوائج منه، فالدعاء عبادة لا تُصرف إلا لله وحده.
صيغ وأدعية منتشرة حول زيارة المدينة
يتداول بعض الناس صيغًا وأدعية خاصة عند زيارة المدينة المنورة، منها ما يُنسب للمذهب الشيعي، حيث يتوجهون إلى الله بكلمات تتضمن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أمثلة ذلك قولهم:
- “اَللّهُمَّ اِنَّكَ قُلتَ لِنَبيِّكَ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)
‘وَلَو أَنَّهُم إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جاؤُوكَ فَاْستَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُم الرَسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً’
..، اَللّهُمَّ وَقَد زُرتُهُ راغِباً تائِباً مِنْ سَيِّء عَمَلي..، فَاجْعَلنِي اَللّهُمَّ بِمُحَمَّد وَأَهلِ بَيتِهِ عِندَكَ وَجيهاً…”.
- “يا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ..، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّي لِيَغفِرَ لِي ذُنُوبِي…”.
تنبيه هام: هذه الصيغ وما شابهها هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، أما التوسل بذات النبي ﷺ بعد وفاته ودعاؤه من دون الله لطلب الحاجات، فهو أمر مُخالف لهدي النبي ﷺ وإجماع السلف الصالح، حيث إن الدعاء عبادة محضة لله وحده القائل في كتابه:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
.
فضل المدينة المنورة ومكانتها في الإسلام
تتمتع المدينة المنورة بقدسية ومكانة عظيمة، فهي دار الهجرة، ومأوى الأنصار، ومنطلق الدعوة الإسلامية، ومن فضائلها الثابتة بالأدلة الصحيحة:
- حرم آمن: حرّمها النبي ﷺ كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة، فلا يُقطع شجرها ولا يُصاد صيدها.
“المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بيْنَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ…”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1867، (حديث صحيح).
- محفوظة من الدجال والطاعون: تحرسها الملائكة فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون بإذن الله.
“علَى أنْقابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلُها الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّالُ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1880، (حديث صحيح).
- مضاعفة أجر الصلاة في مسجدها: الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
- شفاعة النبي ﷺ لمن صبر على شدتها:
“…ولا يَثْبُتُ أحَدٌ علَى لَأْوائِها وجَهْدِها إلَّا كُنْتُ له شَفِيعًا، أوْ شَهِيدًا يَومَ القِيامَةِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1363، (حديث صحيح).
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة النساء، الآية 64.
- صحيح البخاري، أحاديث أرقام: 1867، 1880، 1885، 1889، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث أرقام: 1363، 1369، 1373، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح عند دخول المدينة المنورة؟
لم يثبت في السنة النبوية دعاء محدد يُقال لحظة دخول المدينة، والأفضل هو الإكثار من الأدعية العامة بالبركة التي كان النبي ﷺ يرددها للمدينة وأهلها، مثل “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا” و “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ”.
هل يجوز الدعاء عند قبر النبي ﷺ وطلب الحوائج منه؟
لا يجوز دعاء النبي ﷺ أو طلب قضاء الحوائج منه بعد وفاته، فالدعاء عبادة لله وحده، المشروع هو السلام عليه والصلاة عليه، ثم التوجه بالدعاء إلى الله وحده مستقبلًا القبلة.
ما هو أفضل عمل يقوم به الزائر في المدينة المنورة؟
أفضل الأعمال هي الإكثار من الصلاة في المسجد النبوي، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، مع الحرص على زيارة قبر النبي ﷺ وصاحبيه للسلام عليهم، وزيارة البقيع وشهداء أُحد للدعاء لهم.
