يُعَدُّ الدعاء عند دخول البيت والخروج منه من السنن النبوية الشريفة التي تُظهر شمولية الإسلام في حياة المسلم، فهذه الأذكار ليست مجرد كلمات تُردد، بل هي حصن للبيت وأهله، تجلب البركة، وتطرد الشياطين، وتُعبّر عن توكل العبد على ربه في حله وترحاله، إن الالتزام بهذه السنة يعمر البيوت بذكر الله، ويجعلها واحة للسكينة والطمأنينة، ويحفظ المسلم في ذهابه وإيابه، وييسر له أمره بتوفيق من الله الذي هو خير الحافظين.
الأدعية الصحيحة الثابتة لدخول المنزل
ورد في السنة النبوية الشريفة أدعية وأذكار صحيحة يُستحب للمسلم أن يلتزم بها عند دخوله بيته، لما فيها من فضل عظيم وبركة وحفظ من الله تعالى، هذه الأذكار هي حصن المسلم، وبها يتحقق دوام ذكر الله والاعتماد عليه في كل حين.
1، ذكر الله عند الدخول والسلام على الأهل
إن من أعظم ما يحفظ البيت وأهله هو ذكر اسم الله تعالى عند الدخول، فهو يمنع الشياطين من المبيت والمشاركة في الطعام والشراب.
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:.
“إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم (2018).
كما أن إلقاء السلام على الأهل عند دخول البيت هو سبب للبركة على المسلم وأهل بيته.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:.
“يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم (2698)، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وصححه الألباني.
2، دعاء دخول المنزل الجديد (أو أي مكان يُنزل فيه)
عند الانتقال إلى منزل جديد، أو حتى النزول في أي مكان مؤقتًا (كسفر أو استراحة)، يُستحب قول الدعاء التالي للتحصين والحفظ.
- عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:.
“مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم (2708).
نص الدعاء: “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”.
الحكم الشرعي لدعاء “اللهم إني أسألك خير المولج”
ينتشر بين الناس دعاء يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المنزل، وهو:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا”.
حكم الحديث: هذا الحديث رواه أبو داود وغيره، وقد اختلف أهل العلم في درجة صحته، الراجح عند كثير من المحققين أن الحديث ضعيف لوجود انقطاع في سنده بين الراوي شريح بن عبيد والصحابي أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وقد ضعفه الشيخ الألباني في “ضعيف أبي داود”.
وعلى الرغم من أن بعض العلماء، كالعلامة ابن باز رحمه الله، قد حسّن الحديث، إلا أن الأخذ بالأحاديث الصحيحة الثابتة التي لا خلاف في صحتها هو الأولى والأكمل، ويكفي المسلم أن يقول “بسم الله” عند دخوله ويسلم على أهله، فهذا ما ثبت بحديث صحيح لا مقال فيه.
الأدعية الصحيحة الثابتة للخروج من المنزل
كما حثت السنة على ذكر الله عند الدخول، فقد أرشدت كذلك إلى أدعية عظيمة عند الخروج من المنزل، تكون للمسلم حفظًا ووقاية وتوفيقًا من الله تعالى.
1، دعاء التوكل على الله
هذا الدعاء من أعظم أسباب الهداية والكفاية والوقاية للمسلم.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.
“إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟”.
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم (5095)، وسنن الترمذي، حديث رقم (3426)، وصححه الألباني.
نص الدعاء: “بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”.
2، دعاء الاستعاذة من الضلال والزلل
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله من أمور أربعة عند خروجه من بيته.
- عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال:.
“بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا”.
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم (5094)، وسنن الترمذي، حديث رقم (3427)، وصححه الألباني.
نص الدعاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ”، (وهي رواية أخرى للحديث).
شرح معاني أدعية الدخول والخروج
تحمل هذه الأدعية المباركة معانٍ إيمانية عميقة، وفهمها يزيد من حضور القلب واليقين عند قولها.
شرح دعاء الخروج من المنزل
- “بِسْمِ اللَّهِ”: أي أخرج مستعينًا باسم الله، طالبًا منه البركة والتوفيق.
- “تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ”: تفويض الأمر كله لله، والاعتماد عليه وحده في جلب المنافع ودفع المضار.
- “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”: إعلان العجز والفقر إلى الله، والاعتراف بأنه لا تحول من حال إلى حال، ولا قوة على أي عمل إلا بعون الله وتوفيقه.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ”: الالتجاء إلى الله من الانحراف عن الحق بنفسي (أَضِلَّ)، أو أن أكون سببًا في ضلال غيري (أُضَلَّ).
- “أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ”: الاستعاذة من الوقوع في الخطأ والذنب بنفسي (أَزِلَّ)، أو أن أكون سببًا في إيقاع غيري فيه (أُزَلَّ).
- “أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ”: طلب الحماية من أن أعتدي على حقوق الآخرين (أَظْلِمَ)، أو أن يعتدي أحد على حقوقي (أُظْلَمَ).
- “أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ”: الاستعاذة من أن أفعل فعل أهل الجهل والسفه (أَجْهَلَ)، أو أن يعاملني غيري بسفه وجهل (يُجْهَلَ عَلَيَّ).
فضل المحافظة على أذكار الدخول والخروج
إن المداومة على هذه الأذكار لها فضائل عظيمة وآثار مباركة في حياة المسلم، منها:
- الحفظ والرعاية الإلهية: من قالها يُهدى إلى الحق، ويُكفى همومه، ويُوقى من كل شر.
- طرد الشياطين: ذكر الله يمنع الشياطين من دخول البيت أو مصاحبة الإنسان خارجه.
- جلب البركة: السلام وذكر الله عند الدخول يجلبان الخير والبركة للمنزل وأهله.
- تحقيق التوكل: هذه الأدعية تجسيد عملي للتوكل على الله وتفويض الأمر إليه، وهو من أعظم العبادات القلبية.
- السلامة من الشرور: هي حصن منيع من الوقوع في الضلال، أو الزلل، أو الظلم، أو الجهل.
آداب الدعاء وشروط استجابته
لكي يكون الدعاء أقرب للقبول، يُستحب للمسلم مراعاة بعض الآداب والشروط، وأهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يقصد الداعي بدعائه وجه الله وحده.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو وهو موقن بأن الله سيستجيب له.
- حضور القلب: الخشوع والتركيز أثناء الدعاء، وتجنب الدعاء بقلب غافل.
- البدء بحمد الله والصلاة على النبي: يُستحب افتتاح الدعاء وختمه بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة.
- أكل الحلال: طيب المطعم والمشرب والملبس من أعظم أسباب استجابة الدعاء.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويوم عرفة.
المصادر والمراجع
- صحيح مسلم، حديث رقم (2018)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم (2698)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم (2708)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم (5095)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم (5094)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح عند دخول البيت؟
الأذكار الصحيحة الثابتة هي: أن تقول “بسم الله” عند الدخول، وأن تُلقي السلام على أهلك بقول “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، هذان الذكران ثابتان في أحاديث صحيحة.
هل دعاء “اللهم إني أسألك خير المولج” صحيح؟
الحديث الذي ورد فيه هذا الدعاء يُرجح أهل العلم أنه ضعيف بسبب انقطاع في سنده، والأولى والأفضل هو الالتزام بالأذكار الثابتة في الأحاديث الصحيحة.
ماذا أقول عند دخول منزل جديد؟
الدعاء الثابت في صحيح مسلم عند النزول في أي مكان جديد هو قول: “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”.
ما هو فضل دعاء الخروج من المنزل “بسم الله توكلت على الله”؟
فضله عظيم، فمن قاله يُقال له: “هُديت، وكُفيت، ووُقيت”، وتتنحى عنه الشياطين، فيكون في حفظ الله ورعايته حتى يعود.

