سورة الفتح هي إحدى السور المدنية العظيمة، التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمد ﷺ بعد صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، لتبشره والمؤمنين بالفتح المبين والنصر القريب، تحمل السورة في طياتها معاني السكينة، واليقين بوعد الله، وتزيد المؤمنين إيمانًا وثباتًا.
وقد سميت بهذا الاسم لبدئها ببشارة الفتح العظيم في قوله تعالى:
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا” [الفتح: 1]
، وتكرر ذكر الفتح ليؤكد على مكانة هذا النصر الإلهي وأثره في إعزاز الإسلام والمسلمين.
معلومات أساسية حول سورة الفتح:
- اسم السورة: سورة الفتح.
- مكان النزول: المدينة المنورة (سورة مدنية).
- وقت النزول: بعد صلح الحديبية (السنة 6 للهجرة).
- ترتيبها في المصحف: السورة رقم 48.
- عدد آياتها: 29 آية.
الفضل الثابت لسورة الفتح في السنة النبوية
إن أعظم ما يدل على مكانة هذه السورة وفضلها هو محبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث الصحيح ما يدل على عظيم منزلتها.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: ثكلتك أمك يا عمر، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال:
“لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ”، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 4177، (حديث صحيح).
وهذا الحديث هو أصح ما ورد في فضلها، وهو كافٍ لبيان شرفها ومكانتها العظيمة.
أدعية قرآنية ونبوية تناسب مقاصد سورة الفتح
لم يثبت دعاء مخصص يُقرأ مع سورة الفتح، ولكن يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الجامعة التي تتناسب مع معاني السورة من طلب النصر والفتح والمغفرة والثبات، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:
- دعاء لطلب الفتح والنصر:.
“رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ” [الأعراف: 89]
- دعاء لطلب المغفرة والثبات:.
“رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [آل عمران: 147]
- دعاء من السنة لطلب العون والتيسير:
“اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلاً”
(رواه ابن حبان وصححه).
- دعاء نبوي جامع:
“اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”
(متفق عليه).
صيغ وأدعية شائعة تُنسب لسورة الفتح
ينتشر بين الناس عدد من الأدعية والصيغ التي يربطونها بسورة الفتح لقضاء الحوائج أو جلب الرزق أو غيرها من المقاصد، نورد هنا بعض الأمثلة المتداولة للعلم بها، مع التنبيه على حكمها الشرعي بعدها.
أمثلة على أدعية منتشرة:
- “سبحان الله الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه العزيز الرحيم، الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير أسألك يا الله أن تفرّج كربي وتقضي حاجتي وتغفر زلّاتي وتجعل لي من فضلك نصيبًا، يا أرحم الراحمين ويا ملك الملوك.”.
- “يا أكرم الأكرمين ويا رب العرش العظيم أعوذ برحمتك وأتوجه إليك بدعواتي، أسألك أن تفتح لي أبواب فرجك وأن تعينني على أموري وتيسّر لي أمري وتكرمني وتكتب لي من الخير ما يرفع شأني ويقربني منك يا الله، فما خاب عبد دعاك ورجا رحمتك.”.
- “اللهم يا غفور يا رحيم يا صاحب الفضل والإحسان يا ودود يا ذو العرش المجيد يا فعال لما تريد، أرجوك أن تغفر ذنوبي وكل أخطائي وتمنحني الصبر والقوة على ما أواجه من تحديات.”.
- “يا مفتح فتح، يا مفرج فرج، يا مسبب سبب، يا ميسر يسر، يا مسهل سهل، يا متمم تمم برحمتك يا أرحم الراحمين.” (وهذا الدعاء يُقرأ أحياناً بعد قراءة السورة 41 مرة، وهو تحديد لا أصل له).
ما حكم تخصيص سورة الفتح بأدعية أو أعداد معينة؟
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: إن الصيغ والأدعية المذكورة أعلاه، وغيرها مما يُنسب إلى “دعاء سورة الفتح”، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه الكرام، كما أن تخصيص قراءة السورة بعدد معين (مثل 41 مرة) أو بطريقة محددة لتحقيق غاية معينة هو أمر محدث لا أصل له في الشرع.
الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن ثم يدعو بما شاء من خير، ولكن دون أن ينسب لهذا الفعل فضلاً خاصاً أو طريقة مبتدعة لم ترد في السنة.
أما ما يُروى من فضائل أخرى مثل كتابتها ووضعها تحت الرأس للحفظ، أو غسلها بماء زمزم وشربها، أو أنها تقي من الشرور بطرق معينة، فهي روايات لا تصح ولا يجوز الاعتماد عليها أو نشرها.
خلاصة وتوجيهات
تُعد سورة الفتح سورة عظيمة تحمل بشارات النصر والتمكين والمغفرة، وأعظم فضل لها هو محبة النبي ﷺ لها، عند التعامل معها، ينبغي على المسلم الالتزام بالآتي:
- الاكتفاء بالفضل الصحيح: يكفي المسلم شرفًا أن هذه السورة كانت أحب إلى النبي ﷺ مما طلعت عليه الشمس.
- التدبر والعمل: الأهم هو قراءة السورة بتدبر، وفهم معانيها العظيمة في اليقين بوعد الله، والبيعة، والمغفرة، والسكينة، والعمل بما فيها من توجيهات.
- الدعاء بالمأثور: عند الدعاء، يُستحب الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، فهي الأسلم والأعظم بركة.
- الحذر من المحدثات: يجب الحذر من تخصيص السورة بأدعية أو أعداد أو كيفيات لم ترد بها السنة، لأن ذلك قد يوقع في البدعة.
المصادر والمراجع
- سورة الفتح، القرآن الكريم.
- سورة الأعراف، الآية 89.
- سورة آل عمران، الآية 147.
- صحيح البخاري، حديث رقم 4177، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة حول سورة الفتح
هل هناك دعاء مخصص لسورة الفتح؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص يُقال عند قراءة سورة الفتح أو بعدها، والأفضل هو الدعاء بالأدعية العامة من القرآن والسنة.
ما هو الفضل الصحيح المؤكد لسورة الفتح؟
الفضل الثابت في أصح المصادر هو قول النبي صلى الله عليه وسلم عنها: “لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ” (صحيح البخاري).
ما حكم قراءة سورة الفتح 41 مرة لتحقيق أمنية؟
هذا الفعل لا أصل له في الشريعة الإسلامية، تخصيص سور القرآن بأعداد أو أوقات أو كيفيات معينة لم ترد في السنة يُعد من الأمور المحدثة (البدع)، والواجب على المسلم تجنبها والالتزام بما هو ثابت ومشروع.
هل تجوز قراءة القصص والتجارب الشخصية عن فضل السورة؟
التجارب الشخصية قد تكون مصدر إلهام، ولكنها ليست دليلاً شرعياً، لا يجوز بناء عبادة أو اعتقاد بفضل معين بناءً على تجربة شخص، وإنما يجب أن يُبنى ذلك على دليل صحيح من القرآن أو السنة فقط، ما قد يحدث لشخص من خير بعد قراءة السورة هو بفضل الله وبركة القرآن عمومًا، وليس لفضل خاص مرتبط بطريقة معينة لم تثبت شرعًا.

