سورة الملك، إحدى السور المكية العظيمة في القرآن الكريم، تحمل في آياتها دروساً بليغة حول قدرة الله وعظمته، وتُذكّر الإنسان بغاية وجوده ومصيره، يحرص كثير من المسلمين على قراءتها والمداومة عليها لما ورد في فضلها من أحاديث نبوية شريفة، خاصة فيما يتعلق بالنجاة من عذاب القبر، وفي هذا المقال، نستعرض أهم المعلومات الموثوقة حول هذه السورة المباركة، وفضائلها الثابتة، ونوضح الحكم الشرعي للأدعية التي تُنسب إليها، مع تقديم البديل الصحيح الموافق للكتاب والسنة.
إن فهم فضائل السور والأدعية المرتبطة بها يجب أن يستند إلى دليل شرعي صحيح من القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، فذلك هو أساس العبادة المقبولة، وهو ما نهدف إلى بيانه وتوضيحه للقارئ الكريم، ليكون على بصيرة من دينه، متّبعاً لا مبتدعاً.
أهم المعلومات المتعلقة بسورة الملك
تُعد سورة الملك من السور ذات المكانة الخاصة في القرآن الكريم، ومن المهم لكل مسلم أن يتعرف على معلوماتها الأساسية لفهم سياقها وقيمتها:
- اسم السورة: سورة المُلْك.
- أسماء أخرى لها: تُعرف بأسماء متعددة ثبتت بها الآثار، منها: تبارك، المانعة، المنجية، الواقية.
- موقعها في القرآن الكريم: هي السورة الأولى في الجزء التاسع والعشرين (جزء تبارك).
- مكان نزولها: سورة مكية، نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة.
- ترتيبها في المصحف: السورة رقم 67.
- عدد آياتها: 30 آية.
- عدد كلماتها: 337 كلمة.
- عدد حروفها: 1316 حرفًا.
الفضائل الثابتة لسورة الملك في السنة النبوية
وردت في فضل سورة الملك أحاديث صحيحة وحسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المصدر الموثوق لبيان مكانتها، ومن أبرز هذه الفضائل:
1، تشفع لصاحبها حتى يُغفر له
من أعظم فضائلها أنها تدافع عن قارئها يوم القيامة وتستمر في الشفاعة له حتى ينال مغفرة الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ”.
(رواه الترمذي وأبو داود، وحسنه الألباني).
2، تمنع من عذاب القبر وتنجي منه
اشتهرت سورة الملك بأنها “المانعة” و”المنجية”، حيث تمنع صاحبها الذي يداوم على قراءتها من عذاب القبر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“سورةُ تبارك هي المانعةُ من عذابِ القبرِ”.
(رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع).
وقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: “يُؤتى الرجلُ في قبرِه فتُؤتى رِجلاه فتقولُ رِجلاه: ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ، كان يقومُ يقرأُ بي سورةَ الملكِ، ثم يُؤتى من قِبَلِ صدرِه فيقولُ: ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ، كان يقرأُ بي سورةَ الملكِ، ثم يُؤتى رأسُه فيقولُ: ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ، كان يقرأُ بي سورةَ الملكِ، قال: فهي المانعةُ تمنعُ من عذابِ القبرِ”، (أثر موقوف صحيح).
3، من سنة النبي ﷺ قراءتها قبل النوم
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على قراءة سورة الملك وسورة السجدة كل ليلة قبل أن ينام.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
“أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ لا يَنامُ حتَّى يقرأَ (الم تنزيلُ) وَ (تَبارَكَ الَّذي بيدِهِ الملكُ)”.
(رواه الترمذي وصححه الألباني).
أدعية شائعة مرتبطة بسورة الملك وتنبيه مهم
ينتشر بين الناس ربط أدعية معينة بسورة الملك، تُقرأ بعدها لقضاء الحاجات أو جلب الرزق أو تيسير الزواج، من المهم معرفة أن هذه الأدعية لم ترد في السنة النبوية بشكل مخصص لهذه السورة.
أمثلة على صيغ منتشرة
فيما يلي بعض الأمثلة على الأدعية التي يتداولها البعض على أنها “دعاء سورة الملك”:
- “اللهم بحرمة سورة الملك، اجعل قبري روضة من رياض الجنة…”.
- “يا رب، ببركة هذه السورة الكريمة، امحُ عني ذنوبي واغفر لي زلاتي…”.
- “اللهم اسكب علينا من خزائن عفوك ورزقك ببركة ما قرأنا من سورة الملك…”.
- “اللهم إني أسألك بجاه نبيك وبحرمة سورة الملك أن تيسر لي حاجتي…”.
تنبيه وحكم تخصيص دعاء معين بسورة الملك
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه وغيرها مما يُنسب كسور خاصة بسورة الملك، هي من الأدعية العامة التي لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أنها خاصة بهذه السورة، الدعاء عبادة، والأصل فيها التوقيف والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
إن تخصيص دعاء معين بسورة معينة أو وقت معين دون دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة التي ينبغي تجنبها، والأدعية الواردة في الكتاب والسنة فيها الكفاية والبركة والخير العظيم.
البديل الشرعي: كيف ندعو الله عند قراءة سورة الملك؟
المسلم مدعو لتدبر القرآن الكريم، وإذا قرأ سورة الملك وتأثر بمعانيها العظيمة حول قدرة الله وملكه، فمن المشروع له أن يدعو الله بما يفتح عليه من خير، دون أن يعتقد أن هذا الدعاء سنة خاصة بالسورة، والطريقة الصحيحة للدعاء تكون كالتالي:
- الدعاء بالأدعية العامة من القرآن والسنة: يمكن للمسلم بعد قراءة السورة أن يدعو بأي دعاء ثابت في الكتاب والسنة، مثل طلب المغفرة والرحمة والنجاة من النار.
- الدعاء بما يحتاجه من خيري الدنيا والآخرة: يجوز للمسلم أن يدعو الله بأسلوبه الخاص وبما في قلبه من حاجات، كطلب الرزق، أو الزواج الصالح، أو الشفاء، فهذا من مطلق الدعاء وهو مشروع في كل وقت.
- التوسل إلى الله بصفاته وأسمائه: عند قراءة آيات مثل
 “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” [الملك: 1]، يمكن للمسلم أن يتوسل إلى الله بقدرته فيقول: “يا من بيدك الملك وأنت على كل شيء قدير، اقضِ حاجتي ويسّر لي أمري”. 
أسباب نزول بعض آيات سورة الملك
لم يرد سبب نزول محدد لسورة الملك كاملة، ولكن وردت روايات في أسباب نزول بعض آياتها، منها:
سبب نزول الآيتين 13 و 14:
قال الله تعالى:
“وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)”
[الملك: 13-14].
ذُكر في كتب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في المشركين الذين كانوا يتكلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول بعضهم لبعض: “أسرّوا كلامكم حتى لا يسمعكم إله محمد”، فأنزل الله هذه الآية ليُعلمهم أنه سبحانه يعلم السر والجهر وما تخفي الصدور، فهو الخالق الذي لا يخفى عليه شيء من خلقه.
الفوائد والعبر المستفادة من سورة الملك
تقدم سورة الملك دروسًا عظيمة تقوي إيمان العبد وتصلح حياته، ومن أبرزها:
- استشعار عظمة الله: تدعو السورة إلى التفكر في إتقان خلق السماوات والأرض، مما يغرس في القلب تعظيم الخالق سبحانه.
- اليقين بعلم الله الشامل: تؤكد السورة أن الله يعلم السر والعلن، مما يدفع المسلم إلى مراقبة الله في كل أحواله وتصرفاته.
- الشكر على النعم: تلفت الانتباه إلى نعم الله التي لا تُحصى، كالسمع والبصر والفؤاد، وتدعو إلى شكرها باستخدامها في طاعته.
- الاستعداد للآخرة: تذكّر السورة بحقيقة الموت والحياة وأنها ابتلاء، وتحث على العمل الصالح استعدادًا ليوم الحساب.
- الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته: تعرض السورة مشاهد من عذاب أهل النار، وفي المقابل تذكر بمغفرة الله وأجره الكبير لمن يخشاه بالغيب.
المصادر والمراجع
- سورة الملك، الآية 1.
- سورة الملك، الآيتان 13-14.
- جامع الترمذي، حديث رقم 2891، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1400، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- المستدرك على الصحيحين للحاكم، حديث رقم 3839، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- جامع الترمذي، حديث رقم 2892، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول سورة الملك
ما هو أفضل وقت لقراءة سورة الملك؟
أفضل وقت لقراءتها هو كل ليلة قبل النوم، اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح، ومن قرأها في أي وقت آخر من ليل أو نهار فله الأجر إن شاء الله.
هل يوجد دعاء مخصص لسورة الملك؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص يُقال بعد قراءة سورة الملك، والأولى للمسلم أن يدعو بما ورد في القرآن والسنة من أدعية جامعة، أو يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة بحسب حاجته.
هل قراءة سورة الملك كل ليلة تمنع من عذاب القبر؟
نعم، ورد في الأحاديث الصحيحة أنها “المانعة” و”المنجية” من عذاب القبر لمن داوم على قراءتها بإيمان وتصديق، وهي تشفع لصاحبها، وهذا الفضل يُرجى لمن يقرؤها ويتدبر معانيها ويعمل بما فيها.
 
		

