تُعد الأدعية الواردة في القرآن الكريم على لسان الأنبياء والرسل من أجمع الأدعية وأكثرها بركة، لما تحمله من صدق التوجه إلى الله، وحسن الطلب، وكمال العبودية، ويأتي دعاء نبي الله موسى عليه السلام كنموذج فريد للدعاء في مواجهة التحديات الكبرى، حيث يلجأ العبد إلى ربه طالباً العون والتوفيق وتيسير الأسباب.
إن الاقتداء بأدعية الأنبياء، التي قصّها الله علينا في كتابه، هو تأسٍ بأفضل النماذج البشرية في صلتها بخالقها، وهي سبيل مبارك لطلب خيري الدنيا والآخرة، ونيل الرحمة والمغفرة ورضا الله سبحانه وتعالى.
دعاء النبي موسى عليه السلام لانشراح الصدر
هذا الدعاء المبارك هو ما دعا به نبي الله موسى عليه السلام عندما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى توحيد الله، فطلب من ربه العون والتأييد لأداء هذه المهمة العظيمة.
ورد هذا الدعاء في القرآن الكريم في سورة طه، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام:
“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35)” [طه: 25-35].
تفسير ودلالات دعاء النبي موسى عليه السلام
يحمل هذا الدعاء القرآني معاني جليلة تعكس كمال اعتماد موسى عليه السلام على ربه في أصعب المواقف، وفيما يلي شرح موجز لدلالاته:
- “رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي”: هو طلب السكينة والطمأنينة وسعة الصدر، ليتحمل أعباء الرسالة ومواجهة الطغيان بثبات وقوة قلب، فالصدر المنشرح بنور الله هو مفتاح استقبال الحق والقيام به.
- “وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي”: التماس العون من الله لتسهيل كل عسير، وإزالة العقبات التي قد تعترض طريق دعوته، وهو إقرار من العبد بأن التيسير كله بيد الله وحده.
- “وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي”: طلب إزالة العائق الذي كان في نطقه بالقدر الذي يمكّنه من إبلاغ الحجة بوضوح وبيان، ليفهم قومه وفرعون رسالته دون لبس أو غموض.
- “وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي”: طلب الدعم والمؤازرة بأخيه هارون، الذي كان فصيح اللسان، ليكون له عوناً في حمل أعباء النبوة، مما يعكس أهمية الاستعانة بالأسباب المشروعة مع كمال التوكل على الله.
- “كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا”: بيان للغاية العظمى من هذه الطلبات، وهي ليست لمصلحة دنيوية، بل لإقامة ذكر الله وتسبيحه على الوجه الأكمل، مع ختم الدعاء باسم الله “البصير” الذي يعلم حال عبده وحاجته.
الحكمة من دعاء موسى بهذه الكلمات
يكمن السر في عظمة هذا الدعاء في سياقه، فقد كان موسى عليه السلام مُكلفاً بمهمة هي من أثقل المهام، وهي مواجهة فرعون، الذي بلغ من الطغيان والجبروت أن ادّعى الألوهية فقال:
“أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى” [النازعات: 24]
، أمام هذا التحدي الهائل، لجأ موسى إلى الله بهذه الدعوات الجامعة التي تغطي كل جوانب الحاجة: الحاجة النفسية (شرح الصدر)، والحاجة العملية (تيسير الأمر)، والحاجة الجسدية (فصاحة اللسان)، والحاجة الاجتماعية (المؤازرة بالوزير)، وكل ذلك لغاية إيمانية سامية وهي إعلاء كلمة الله وذكره.
أدعية أخرى للنبي موسى في القرآن الكريم
زخر القرآن الكريم بالعديد من الأدعية المباركة التي دعا بها نبي الله موسى عليه السلام في مواقف مختلفة، وكلها تمثل نبراساً للمؤمنين، ومن هذه الأدعية:
- دعاؤه بالاستغفار:
“رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي” [القصص: 16].
.
- دعاؤه بالمغفرة له ولأخيه:
“رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأعراف: 151].
.
- دعاؤه بطلب الخير من الله:
“رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” [القصص: 24].
.
- دعاؤه بالنجاة من القوم الظالمين:
“رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [القصص: 21].
.
- دعاؤه على فرعون وملئه:
“رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” [يونس: 88].
.
- دعاؤه عند التوبة والإنابة:
“سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ” [الأعراف: 143].
.
- دعاؤه الجامع لخيري الدنيا والآخرة:
“أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ” [الأعراف: 155-156].
.
أدعية قوم موسى (السحرة وبنو إسرائيل) في القرآن الكريم
لم تقتصر الأدعية في قصة موسى عليه السلام عليه وحده، بل ذكر القرآن الكريم أدعية الذين آمنوا معه، والتي تعكس صدق إيمانهم وثباتهم:
- دعاء السحرة عند إيمانهم وتهديد فرعون لهم:
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ” [الأعراف: 126].
.
- دعاؤهم طمعاً في مغفرة الله:
“إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ” [الشعراء: 51].
.
- دعاء بني إسرائيل عند توبتهم من عبادة العجل:
“قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 149].
.
المصادر والمراجع
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو فضل دعاء “رب اشرح لي صدري”؟
هذا الدعاء من الأدعية القرآنية المباركة، ويُستحب الدعاء به لطلب انشراح الصدر، وتيسير الأمور، وإزالة العقبات، خاصة قبل المهام الصعبة كالاختبارات أو مقابلات العمل أو إلقاء كلمة، تأسياً بنبي الله موسى عليه السلام.
هل يجوز الدعاء بأدعية الأنبياء الواردة في القرآن؟
نعم، الدعاء بأدعية القرآن هو من أفضل ما يدعو به المسلم، لأنها أدعية جامعة في معانيها، ثابتة بنص قطعي، وقد علمنا الله إياها لندعوه بها، فهي تجمع بين كمال الأدب مع الله وعمق المعنى وشمولية الطلب.
متى يُستحب قول دعاء موسى عليه السلام؟
ليس هناك وقت محدد حصراً، فيمكن الدعاء به في كل وقت وحين، ويُستحب الإكثار منه عند الشعور بضيق الصدر، أو استصعاب أمر ما، أو عند الإقدام على مسؤولية جديدة تتطلب الثبات والقوة والعون من الله تعالى.
