يُعَدُّ الدعاء من أجلّ العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزداد فضله وأثره في شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والرحمة، ففي هذا الشهر الكريم، تتضاعف الأجور وتُفتح أبواب السماء، ويجد المسلم في مناجاة ربه فرصة لتجديد الإيمان، وتطهير النفس، وطلب خيري الدنيا والآخرة، إن الإلحاح في الدعاء بيقين وإخلاص من أعظم أسباب القبول، وهو يعكس افتقار العبد لخالقه وتعلقه به في كل شؤونه.
أدعية صحيحة ثابتة لاستقبال شهر رمضان
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية مأثورة لاستقبال هذا الشهر الفضيل، ومن أصحها:
- دعاء رؤية هلال رمضان: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن)..
 - الدعاء بجوامع الكلم: يُستحب للمسلم أن يكثر من الأدعية الجامعة التي وردت في القرآن والسنة، فهي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومنها:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
(المصدر: سورة البقرة، الآية 201)..
 
صيغ دعاء منتشرة في شهر رمضان
يتداول بعض الناس صيغًا وأدعية مطولة في شهر رمضان، تُنسب أحيانًا إلى بعض كتب الأدعية مثل كتاب “مفاتيح الجنان”، ورغم ما تحمله من معانٍ طيبة، فمن المهم التنبيه على أنها لم ترد في مصادر السنة النبوية المعتمدة، ومن هذه الصيغ المنتشرة:
- 
“اللَّهُمَّ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ، وَهَذَا شَهْرُ الصِّيَامِ، وَهَذَا شَهْرُ القِيَامِ، وَهَذَا شَهْرُ الإِنَابَةِ، وَهَذَا شَهْرُ التَّوْبَةِ، وَهَذَا شَهْرُ المَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهَذَا شَهْرُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالفَوْزِ بِالجَنَّةِ، وَهَذَا شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ…”.
.
 - 
“اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعِنِّي عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَسَلِّمْهُ لِي وَسَلِّمْنِي فِيهِ، وَأَعِنِّي عَلَيْهِ بِأَفْضَلِ عَوْنِكَ، وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ وَأَوْلِيَائِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ، وَفَرِّغْنِي فِيهِ لِعِبَادَتِكَ وَدُعَائِكَ وَتِلاوَةِ كِتَابِكَ…”.
.
 - 
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلِ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَحَزَنِي، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَجَمِيعَ أُمُورِي، وَاكْتُبْ لِي فِيهِ الرِّزْقَ الكَرِيمَ…”.
.
 
ويُختم الدعاء أحيانًا بقول:
- “أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبِّي وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبِّي وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ…”.
 
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية وشاملة ومباركة، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع، ولكن لا يجوز تخصيصها بوقت معين أو فضل معين أو نسبتها إلى الدين ما لم يثبت ذلك بدليل صحيح.
أهمية الدعاء في الإسلام
الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة بين العبد وربه، وقد حث الله تعالى عباده على دعائه ووعدهم بالإجابة، مما يملأ قلب المؤمن طمأنينة ويقينًا بأن له ربًا قريبًا مجيبًا، تتجلى أهمية الدعاء في قوله تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”.
(المصدر: سورة غافر، الآية 60).
هذه الآية الكريمة تأكيد على أن الدعاء عبادة، وأن الله يحب أن يسأله عباده، وفي رمضان، حيث تصفو النفوس وتتضاعف الرحمات، يكون للدعاء منزلة خاصة، فهو مفتاح المغفرة، وسبيل تفريج الكروب، وطريق الفوز برضوان الله تعالى.
الأوقات المستحبة للدعاء
مع أن الدعاء مشروع في كل وقت، إلا أن هناك أوقاتًا وأحوالًا تكون فيها الإجابة أرجى، وقد دلت عليها نصوص الشرع، ومن هذه الأوقات المباركة:
- الثلث الأخير من الليل: حيث يتنزل الله تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، ويقول: “مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟” (المصدر: صحيح البخاري)..
 - عند الإفطار: فللصائم عند فطره دعوة لا تُرد، وهي لحظة إخبات وانكسار بين يدي الله بعد إتمام عبادة الصيام.
 - أثناء السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” (المصدر: صحيح مسلم)..
 - العشر الأواخر من رمضان: وخاصة في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والدعاء فيها مستجاب بإذن الله.
 - عند نزول المطر: فهو وقت رحمة وبركة، ويُستحب الدعاء فيه.
 - بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يُرد كما ورد في الحديث الحسن.
 
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
 - سورة غافر، الآية 60.
 - حديث رؤية الهلال، سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث النزول الإلهي في الثلث الأخير، صحيح البخاري، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث قرب العبد في السجود، صحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لاستقبال شهر رمضان؟
أصح ما ورد هو دعاء رؤية الهلال: “اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ”، وهو حديث حسن، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خير الدنيا والآخرة.
هل يجوز الدعاء بصيغ غير واردة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي صيغة طيبة لا تحتوي على محظور شرعي، ولكن لا يجوز أن يعتقد أن لهذه الصيغ فضلًا خاصًا أو ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ذلك بدليل، فالأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة.
ما هي الأدعية القرآنية التي يُنصح بالإكثار منها في رمضان؟
يُنصح بالإكثار من الأدعية الجامعة في القرآن الكريم، مثل: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]، و”رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8]، ودعاء طلب المغفرة والرحمة.
		
