يُعد الدعاء في ليالي رمضان المبارك، خاصة في صلاة التراويح، من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فالدعاء هو العبادة، وبه تتغير الأقدار وتُستجلب الرحمات، ويحرص المسلمون على الاقتداء بالأئمة المتقنين، والاستماع إلى أدعيتهم الجامعة التي تلامس القلوب، ومن المهم للمسلم أن يتحرى الأدعية الصحيحة الواردة في الكتاب والسنة، فهي الأسلم والأكثر بركة.
أدعية القنوت الصحيحة والمأثورة في صلاة التراويح
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهو الجامع لخيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الثابتة التي يُستحب الدعاء بها في قنوت الوتر، والذي يكون غالبًا بعد صلاة التراويح، ما يلي:
1، دعاء القنوت النبوي
وهو الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لسبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما، وهو من أشهر أدعية القنوت وأصحها.
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.”
المصدر: سنن الترمذي (464)، سنن أبي داود (1425) | درجة الحديث: صحيح.
2، دعاء “اللهم اقسم لنا من خشيتك”
وهو دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدعو به لأصحابه، وهو دعاء جامع عظيم.
“اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا.”
المصدر: سنن الترمذي (3502) | درجة الحديث: حسن.
3، دعاء “اللهم آت نفوسنا تقواها”
من الأدعية النبوية الصحيحة التي تجمع بين صلاح النفس والفوز في الآخرة.
“اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا.”
المصدر: صحيح مسلم (2722).
4، دعاء سؤال الخير كله
وهو من جوامع الدعاء التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.”
المصدر: سنن ابن ماجه (3846) | درجة الحديث: صحيح.
أمثلة على صيغ دعاء جامعة تُقال في صلاة التراويح
كثيرًا ما يجمع الأئمة في دعائهم بين الأدعية المأثورة وصيغ دعاء عامة تحمل معاني طيبة وجامعة، وهي جائزة شرعًا ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة، ومن هذه الصيغ التي يكثر سماعها:
- اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ.
- اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، عَلانِيَتُهُ وَسِرُّهُ، فَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُحْمَدَ، وَأَهْلٌ أَنْتَ أَنْ تُعْبَدَ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
- اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ أَعْمَالَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، وَاعْتِقْ رِقَابَنَا وَرِقَابَ وَالِدِينَا مِنَ النَّارِ، وَتُبْ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا تَوَّابُ يَا رَحِيمُ.
تنبيه هام حول الأدعية العامة
تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي من الأدعية العامة التي تحمل معاني حسنة، وهي مما يدعو به كثير من الأئمة والناس، والأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما شاء من خيرَي الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم.
الدعاء للموتى والمسلمين في التراويح
من السنن الحسنة في الدعاء أن يكون شاملًا للمسلمين الأحياء والأموات، وهو من صور التراحم والتكافل بين المؤمنين، ومن الأدعية المناسبة في هذا السياق:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا.
- اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَنْ فَارَقُونَا وَلَمْ يُدْرِكُوا رَمَضَانَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُبُورَهُمْ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ نُورًا يُضِيءُ قُبُورَهُمْ.
- رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، (مقتبس من سورة الحشر، الآية 10).
إن إحياء ليالي رمضان بالصلاة والدعاء، مع تحري الأدعية الصحيحة والجامعة، هو سبيل الفوز والقبول، فكل ليلة من رمضان هي فرصة ثمينة لمناجاة الله وطلب المغفرة والرحمة للنفس والوالدين وجميع المسلمين.
المصادر والمراجع
- حديث دعاء القنوت “اللهم اهدني…”، (سنن الترمذي، حديث رقم 464، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اقسم لنا من خشيتك…”، (سنن الترمذي، حديث رقم 3502، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم آت نفسي تقواها…”، (صحيح مسلم، حديث رقم 2722، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك من الخير كله…”، (سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة الحشر، الآية 10.
أسئلة شائعة حول دعاء التراويح
ما هو حكم دعاء القنوت في صلاة التراويح؟
دعاء القنوت في وتر صلاة التراويح مشروع ومستحب، وقد فعله بعض السلف الصالح، خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان، وهو من الأمور التي فيها سعة.
هل يجب الالتزام بصيغة دعاء معينة في القنوت؟
الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل دعاء “اللهم اهدنا فيمن هديت…”، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يزيد عليها من الأدعية العامة التي تحمل معاني طيبة وتناسب حاله وحال المسلمين.
هل يجوز الدعاء بأدعية غير واردة في السنة؟
نعم، يجوز الدعاء بأدعية من إنشاء المسلم أو أدعية مأثورة عن السلف، بشرط أن تكون معانيها صحيحة، ولا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، والأفضل دائمًا هو الجمع بين المأثور وغيره.


